الأسبوع الماضى كشفت صحيفة "ذا صن" البريطانية عن أن أحد شيوخ الدين الإسلامى فى لندن والذى يحمل اسم "شودرى" يطالب بتحويل قصر باكنجهام، المقر الرسمى لملكة بريطانيا فى لندن، إلى مسجد!
طبعا مافيش داعى لأن أخبرك بالمقدار الذى يمكن أن تسهم به دعوة مثل هذه فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ومافيش داعى أن أقول أيضا إنه من حق أى بريطانى الآن ألا يرى فى الإسلام سوى دين متطرف ومغتصب وعقيدة مجانين، وطبعا مافيش داعى أخبرك أن الذى يطلبه الشيخ المحترم وارد أفكار بن لادن وشيوخ الوهابية يشبه كثيرا أن يأتى أحدهم وينظم مسيرة داخل المملكة العربية السعودية ويقدم طلب بتحويل الكعبة المشرفة إلى فندق خمس نجوم، أو مظاهرة فى قلب القاهرة يقودها قس يطالب فيها بتحويل قلعة محمد على ومسجدها إلى كنيسة .. فكر ولو قليلا فى رد فعل المسلمين وفكر قليلا فى رد فعلك أنت أيها العاقل المثقف.
طبعا ستخرج المظاهرات مطالبة بتحرك جيوش الإسلام لوأد دين الغرب الكافر، ومش بعيد أن يسيل طوفان من الدم لا ينتهى، ولا تفلح فى منعه موائد الوحدة الوطنية، أضف إلى ذلك أن المظاهرات الإسلامية ستطالب بحرق كل مسيحى وترحيل كل من هو على دين غير الإسلام إلى خارج البلاد.. أهل بريطانيا لم يفعلوا ذلك للأسف وأثبتوا للشيخ المتطرف أنهم أكثر عقلا وأكثر أدبا وتحضرا منه ومن الذين معه، رغم أن الشيخ غير المحترم تجاوز فى حق البلد الذى يحمل جنسيته وقام بتوزيع ملصقات لقصر باكنجهام التاريخى بعد إجراء تعديلات عليه بحيث يتم تزويده بقبة ومئذنة، وتزيين واجهته بنوافذ وأعمدة ذات طابع إسلامى، وطبعا لأن ذقن هذا الشيخ طغت على عقله لم ينسَ أن يزود القصر بعدد من السماعات الخارجية لنشر الأذان والقرآن الكريم فى تلك البلاد الكافرة حسب نص كلامه.
أى عبث وأى إساءة للإسلام أكثر مما يفعله هذا الشيخ سفيرنا فى عاصمة الضباب، وأى إحراج وقعنا فيه نحن المسلمون من رد الفعل الحضارى لأهل لندن، قارن بين رد الفعل اللندنى وبين ردود فعل المسلمين فى بلدان العالم المختلفة مع كل أزمة يتعرض فيها الإسلام لتصرف أقدم عليه أحد المتهورين أو المخبولين أو المتعصبين .. تخرج المظاهرات نطالب بحرق البشر كما فعلنا فى أزمة الدانمرك، ونطالب بتفجير بلدانهم كما فعلنا فى أزمة فيلم النائب الهولندى، ونطالب بتدمير ألمانيا كما فعلنا فى أزمة مروة الشربينى.. انظر إلى مدى نصدر تطرفنا بأيدينا، انظر إلى مدى أصبح المسلمون مزعجون بالنسبة لدول العالم فى القارات الست سواء شئت أم أبيت أنت والذين معك، اقرأ تصريحات المثقفين والسياسين الغربيين حول ردود الفعل الإسلامية خلال الأزمات لتكتشف أن الناس فى العالم أصابتهم حالة زهق وضيق من تصرفات المسلمين وصرخاتهم المستمرة التى تنطلق بدون حساب كلما اقترب منهم أحد، بداية من معركة الرسوم الدانمركية الشهيرة ومرورا بتصريحات بابا الفاتيكان والمسرحية الألمانية وانتهاءً بأزمة النقاب فى لندن ورغبة الطليان فى عدم تدريس الإسلام داخل مدارسهم والمسلمون لا يكفون عن الشكوى لطوب الأرض بأن هناك هجمة مسيحية غربية شرسة تستهدف القضاء على الإسلام، على الرغم من أن المواقف السابقة لم توجه هجومها نحو الإسلام فقط، بل نالت الأديان الأخرى سماوية وغير سماوية نصيبها الذى لم يزيد أو ينقص عن نصيب المسلمين، ورغم ذلك لم يصرخ سوى المسلمون فقط ولم يشكُ سواهم، حتى أصبحنا نمثل لدى هؤلاء الذين يسكنون بلدان الغرب مجموعة من المتطرفين غير الواثقين فى دينهم، وكأن عقيدتنا الإسلامية هشة سيكسرها تصرح سكران، أو شتائم متعصب، أو قرار جبان، فمتى يطلق المسلمون مرحلة المراهقة ويواجهون العالم بشئ من العقلانية البعيدة عن الصراخ أم سيظلون على عهدهم يبكون إذا اقترب أحد من دينهم ويفرحون إذا ذكر أوباما آية من القرآن وكأن الإسلام كان ينتظر أن ينطق يتكلم عنه أوباما أو غيره بشكل جيد حتى يستقر فى قلوب هؤلاء الذين آمنوا، ولكن إيمانهم لم يستقر بعد فى القلب ولم يصدقه العمل؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة