فى ثورة القاهرة الأولى لاحظ الفرنسيون أن المصريين دخلوا الجامع الأزهر ليقرأوا صحيح البخارى.. داعين الله أن يرفع عنهم البلاء!! كانت ملاحظة مهمة، إذ لم يعرف الفرنسيون حتى خرجت حملتهم من مصر السر فى أن يستعين المسلمين بكتاب يروى أحاديث رسول الله، عوضاً عن كتاب رب رسول الله.
بعد فترة من وفاة النبى (ص)، ابتعد المسلمون عن النص شيئاً فشيئاً، وتحولوا للسنة، أو ما أشيع أنه سنة، ولظروف مختلفة، وفى وقائع محددة دخل على السنة ما لا يجب أن يدخل فيها، وشهر على لسان الرسول (ص) ما لم يقله.
سعى المسلمون – ولو بحسن نية – إلى جمع كل ما يرجح أن النبى (ص) قاله، فدخل الحديث الموضوع مع الحديث المرسل، مع المنقطع مع الضعيف. حب المسلمون رسول الله، هو الذى أقعدهم عن فحص ما نسب إليه (ص) من أقوال أو أفعال، ولما تدخلت السياسة والصراعات المذهبية.. كانت الفتنة.
فتنة المسلمين فى الحديث النبوى، أو اختلاط السنة بما ليس منها هو الذى جعله (ص) ينهى عن كتابة أحاديثه، فكما لعبت "النوايا الحسنة" بالأسانيد، لعبت السياسة – فيما بعد – مع الصراعات المذهبية، بالذمم والضمائر، ولعبت بـ "السنة المطهرة" أيضا!
فى كتابه "المفهم" مثلاً، قال الإمام القرطبى، إن بعض الفقهاء استجازوا نسبة رأى دل عليه القياس الجلى إلى الرسول (ص)، فيقولون قال رسول الله كذا وكذا ويضيفون للحديث إسناداً سليماً!! الإسناد هم الرجال الذين انتقل بهم الحديث حتى وصل إلينا..
وفقهياً: "هو الطريق المؤدى للمتن"، وهو: "رواية العدل الضابط عن العدل الضابط"، وفى العلوم الشرعية الإسناد الصحيح هو القاطع بصحة ما نسب للنبى (ص). ومعنى ما قاله القرطبى، إن بعض العلماء كانوا إذا وصلوا لرأى شرعى، قياساً على واقعة قديمة، فاستنبطون منها حكمهم.. ووضعوها على إسناد صحيح ونسبوها للنبى (ص)!!
وفى "اختصار علوم الحديث" أقر ميسرة بن عبد ربه، أنه وضع أحاديث فى فضائل القرآن، وأنه وضع فى على ابن أبى طالب سبعين حديثاً، وأقر عصمة ابن نوح الجامع أنه أضاف إلى أسانيد ابن عباس أحاديث فى فضائل سور القرآن لم يقلها ابن عباس! لما أضاف أهل الفقه فى عصور الإسلام المختلفة آراء شرعية على لسان أصحاب الأسانيد، ركب على ظهر التراث "أحاديث غير صحيحة"، وأسانيد غير موثقة.
لذلك لما ولد الإمام البخارى بعد حوالى 194 سنة من هجرة النبى، ثم بدأ فى جمع الحديث بعد ذلك التاريخ بـ 25 عاماً على الأقل، كان منطقياً أن يدخل ضمن ما رواه من أحاديث، أسانيد "مرفوعة" بـ"متون موضوعة".
و"المرفوع" هو الحديث الذى ينتهى سنده بالنبى، بينما "الموضوع" هو ما أضيف للنبى دون التأكد من أنه قاله (ص)، لكن أحداً لم يتحرك لإعادة الفحص، ولا النقد.. وأخذنا بكل ما فى كتاب البخارى، حباً فى البخارى لا حباً فى الدين.
المثير أن كتب علوم الحديث النبوى التى وصفت "كتاب البخارى" بـ الأصح بعد كتاب الله"، هى نفسها التى ضمت آراء العلماء فى "ضعف" 80 رجلاً من رجال أسانيد "صحيح البخارى"، و120 ممن روى عنهم الإمام مسلم.
فالبخارى بدأ جمع الحديث وتدوينه بعد 200 عام من وفاة النبى (ص)، بينما بدأ تلميذه "مسلم" بعد وفاة النبى بـ230 عاماً، على افتراض أن "البخارى ومسلم" بدأا جمع الأحاديث وتدقيقها فى عشرينات عمرهما.
المسلمون "غلطوا فى البخارى"، فوصفوه بالكتاب الأصح بعد كتاب الله، والمصريون حملوا الرجل أكثر مما يحتمل، فتوسلوا به لله، بدل من التوسل له سبحانه بالقرآن.
غلطنا فى البخارى، كما "أخطأ" الكثير من رواة الحديث فى السنة المطهرة، فأشاعوا عن النبى ما لم يقله.. ونقلوا عنه ما لم يفعله (ص). وأخذنا نحن الكل بكامل التسليم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة