منذ ستة أعوام بالتمام والكمال، فى 13 نوفمبر 2003، نقلت جميع القنوات التليفزيونية الدولية والعربية من قاعدة تامبا العسكرية بفلوريدا، المؤتمر الصحفى لجون أبى زيد الذى كان فى ذاك الوقت على رأس القيادة المركزية الوسطى للولايات المتحدة، والتى تتولى كل الشئون والعمليات العسكرية فى آسيا الوسطى والشرق الأوسط والقرن الأفريقى (تشمل بالطبع العراق وأفغانستان).
بدا الرجل فى زيه العسكرى قوياً واثقاً، وكان عائداً لتوه من العراق، تحدث بلغة الأرقام والحقائق، واختزل التهديد الأكبر فى فلول النظام البعثى البائد. أكد بعبارات عسكرية واثقة، أن كل إداراته تعرف طبيعة شعوب المناطق التى تقاتل فيها، وقال وكأنه يملك زمام الأمر من العاصمة الأفغانية إلى مقره الأمريكى: «نحن سننجح.. لاشك.. لاريب فى ذلك.» لم يتوقع أبى زيد ما لم يكن ممكناً حينها حسابه بالأرقام والوقائع، لم يتوقع حالة الفوضى العارمة.. الحالة الضبابية التى ستُغطى الحقائق والأرقام من كابول إلى فلوريدا، مروراً ببغداد وتكساس، لم يتوقع أن يُقتل جنوده الذين يعدهم للقتال فى أفغانستان والعراق، ليس على أرض المعركة، ولكن بجواره فى قاعدتهم الآمنة فورت هود فى تكساس. على الأرجح لم يكن حتى يعلم اسم الطبيب الميجور نضال مالك حسن الضابط الأمريكى من أصول عربية الذى فتح النار على زملائه الأسبوع الماضى فى أكبر قاعدة أمريكية، فقتل أكثر من13 وأصاب العشرات. لا أتحدث هنا بأى شماتة، ولا أعطى نضال أى تبرير، فقد اختار بمحض إرادته الخدمة بالجيش الأمريكى، وكان عليه إما حفظ العهد والأمانة لمن ائتمنوه على أنفسهم تحت أى ظرف، أو إنهاء هذا العهد، ولكننى أنظر إلى ما تفرزه هذه الحالة الضبابية وستظل تفرزه لأمد غير معلوم، لم تصل التحقيقات الأمريكية، ولن تصل إلى تبرير شافٍ لما فعله الميجور نضال الذى عُرف بخُلقه الحسن، وكان يشعر بخيبة أمل فى الحروب الأمريكية فى أفغانستان والعراق، بعد أن ظل لسنوات يعالج الجنود العائدين من الحرب، وكان يعارض بشدة فكرة نقله الوشيك لأفغانستان. لا أرقام ولاحقائق ولاقوانين ولا التزامات ولاعهود ولادراسات نفسية أو اجتماعية، تستطيع ضبط ما تأتى عليه آلة الحرب، أسر ممزقة، شباب مشتت لايعرف إن كان فى الحرب شرف الدفاع عن الوطن، أو عار قتل الأبرياء. إن كان هذا هو حال المهاجم، فما هو حال أهل المجتمعات المدكوكة بآلة الحرب؟ لو كان أبى زيد مازال اليوم فى نفس موقعه القيادى، لعجز عن تحديد عدد القتلى فى العراق منذ بداية الحرب، أياً كان الرقم فلن يغير شيئا من حقيقة أن أهل العراق مازالوا يستيقظون كل صباح على ضباب الحرب، وأن مقولة أبى زيد: «نحن سننجح، لاريب» كانت فى ذاتها ضبابية؛ فماذا كان يقصد بالنجاح تحديداً؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة