د. بليغ حمدى

اللى يعرف واللى ميعرفش يقول عدس

الجمعة، 13 نوفمبر 2009 06:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنعم الله على مصر بوجود وزراء ذوى طبيعة خاصة، فهم على دراية كافية، ليس فقط بتخصصاتهم الأكاديمية والوزارية، بل وتخصصات زملائهم بالوزارة، ولا شك أن هذه النعمة تنفرد بها حكوماتنا من قاعدة "الجيش قالك اتصرف". ومن هؤلاء الوزراء سعادة الوزير الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة التى أصبحت فى خطر دائم ومزمن بفضل الأوبئة والأمراض والخدمات الطبية أيضاً.

وأنا لا أستطيع أن أنكر جهود هذا الوزير بدءاً من الارتقاء بالمستشفيات الحكومية، مروراً بتوافر الأدوية بأثمان بخسة، انتهاءً بتعاطيه مصل أنفلونزا الخنازير، ويبدو أننى اطمأننت إلى قرارى بعدم تعاطى المصل أو البحث عنه من الأساس، بعدما أكد الوزير فى تصريحاته لجريدة الشروق، أنه شعر بتكسير فى العظام خلال اليوم الأول من تعاطيه ووجود ألم مكان الحقن لمدة ثلاثة أيام.

لكن الأدهى أن الوزير فاجأنا بنقل خبراته التربوية والتعليمية للقائمين على التعليم فى مصر والمهتمين بالتحصيل الدراسى لأبنائنا المساكين، فقد صرح بأن أنفلونزا الخنازير كان لها أثر إيجابى، حيث ساهم الفيروس فى تقليص أعداد التلاميذ والطلاب بالفصول الدراسية، مما أدى إلى رفع مستوى الاستيعاب لديهم، ثم أطلق الوزير تصريحه الخطير بأن "التلاميذ أول مرة يستوعبون الدروس".

ولأننا شعب مؤمن بطبيعته وفطرته نحمد الله أولاً على أن لأنفلونزا الخنازير أثراً إيجابياً، بغض النظر عن السبع ضحايا الذين ماتوا بهذا الفيروس اللعين، وبغض النظر عن مئات المصريين المصابين بهذا الفيروس، وأيضاً المتوقع إصابتهم بسبب قلة الإمكانات وتجاهل المسئولين.

لكن وزير الصحة وجد نفسه مضطراً للدخول فى ساحة العملية التعليمية بسبب تعرض تلاميذ مصر بصفة دائمة للأمراض والأوبئة التى تجد أكباد وصدور أبنائها رحماً خصباً ومناخاً طيباً للاستقرار، ولم يكتف الوزير بما يقدمه من إنجازات صحية كل يوم، بل أراد أن يقرر حقيقة تربوية غابت عن المتخصصين.

فهو يؤكد أن قلة عدد الطلاب بالفصول تسمح باستيعاب أكبر للموضوعات التى يدرسونها، وأن الطلاب أول مرة يستوعبون دروسهم، ولى ملحوظات أقدمها للسيد الوزير على استحياء.

يبدو أنك لم تزر مدرسة واحدة فى أرض مصر المحروسة، وإن زرتها لم تدخل فصلاً واحداً بها، وإن دخلته لم تنتظر طويلاً به، وإن انتظرت فترة كنت منشغلاً بأمور أخرى، وإن لم تكن منشغلاً فى سرك أن ترى الطلاب وهم بصورة جميلة فقط.

أما أن تصدر رأياً مهماً (لأنه يصدر من وزير مسئول) يتعلق بالعملية التعليمية من حيث جوهرها وهو الطالب، فليس هذا أمر مرفوض فقط، بل ومذموم أيضاً، لأن السيد الوزير أولاً غير مختص بالمراقبة والمتابعة التعليمية، وبالتأكيد فهو ليس بخبير فى مهارات التقييم الشامل والتعلم النشط التى تسعى وزارة الدكتور يسرى الجمل فى تعميمها، علاوة على أن الدكتور حاتم الجبلى لم يطلب فحص نتائج الطلاب الشهرية حتى يقف على مستواهم التحصيلى.

ويا سيادة الوزير هناك أمور لا يراها إلا المتخصص فى العملية التعليمية، وأنا أذكرك بها على عجل: فالعملية التعليمية غير قائمة فقط على الطالب، بل هى منظومة متكاملة، تشمل المعلم الكفء المعد إعداداً جيداً فى كلياتنا ومعاهدنا البعيدة ـ طبعاً ـ عن أى تصنيف عالمى، وأيضاً منهجاً علمياً مضبوطاً ومحكماً وليس كتاباً يؤلفه مجموعة من الرجال الذين لا نعرفهم ولا يظهرون إعلامياً بالشكل الذى يجعلنا نثق فى قدراتهم التعليمية. بالإضافة إلى قاعة دراسية جيدة من حيث العوامل الفيزيقية كالتهوية والإضاءة وطريقة توزيع المقاعد.

ناهيك عن طرق التدريس واستراتيجياته مثل ما وراء المعرفة والتعلم التعاونى وتمثيل الأدوار وحل المشكلات والخرائط المفاهيمية، بالإضافة إلى الأنشطة التى يمارسها الطلاب ومن شأنها رفع مستوى تحصيلهم الدراسى والمعرفى والمهارى.

أما أن تقوم سيادتك بتقرير أن الطلاب أول مرة يستوعبون دروسهم، فإن هذا التصريح ربما لا ولن يقدر عليه وزير التعليم نفسه، أو أى متخصص فى التربية والتعليم، لأن مثل هذه التصريحات تحتاج إلى دراسات عميقة وتجارب ميدانية بالشهور.

وحينما يقرر وزير الصحة بأن الطلاب أول مرة يستوعبون دروسهم فهو يعزى ذلك إلى جهوده وفضله، وكيف سيصدق رجل الشارع العادى المهموم بما تفرضه عليه الدولة ومؤسساتها من رسوم وزير مسئول ينظر إلى العملية التعليمية التى هى استثمار الشعوب والأمم نظرة سطحية دونما عمق.

كنت أظن أن الصحة وحدها هى التى فى خطر مستمر، لكننى تأكدت اليوم أن التعليم دون الجامعى ـ أيضاً ـ أصبح معرضاً للخطر، وللذين يحبون بلادهم عليهم أن يستشعروا خطراً ما يواجه أمتنا، فيجب علينا ونحن فى خضم الاهتمام بانتخابات رئاسية قادمة، وانتخابات تشريعية بعد شهور، وفتن طائفية تستنزف مقدرات هذه الأمة، وصحة تتهاوى تدريجياً، وثقافة آيلة للسقوط، ورياضة مرهونة بنتائج الفرق الأخرى، ألا ننسى ملف التعليم الذى هو أكثر من مؤتمرات تنعقد، وندوات تقام، فهو استثمار حقيقى ومشروع نهضوى، لمن أراد النجاة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة