خالد صلاح

هل يجوز تطبيق قواعد نظرية المؤامرة لمرة واحدة فقط على ما تفجر من خلافات داخل مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين؟

لعبة الخلافات العلنية فى «الإخوان المسلمين»

الجمعة، 13 نوفمبر 2009 12:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هل يجوز تطبيق قواعد نظرية المؤامرة لمرة واحدة فقط على ما تفجر من خلافات داخل مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين؟

لا أقول هنا أن أحدا دبر مؤامرة للجماعة، ليحدث انقلابا داخليا أو انشقاقا سياسيا بين قيادات هذا التنظيم الراسخ، ولكننى أزعم أن الخلاف الذى خرج إلينا علنا للمرة الأولى من داخل مكتب الإرشاد، هو نفسه مؤامرة من الجماعة، تستهدف من ورائها رسالة محددة فى هذا التوقيت السياسى الحرج فى مصر.

بوضوح أكثر.. أقصد أن ما أعلنته الجماعة من خلاف داخل مكتب الإرشاد، حول تصعيد الدكتور عصام العريان لعضوية المكتب، وما تلا ذلك من إعلان المرشد الأستاذ مهدى عاكف هجر صحابته فى القيادة، ثم توابع هذا الهجر من أصداء وردود فعل لدى القيادات المركزية للإخوان، لم يكن سوى (خدعة إعلامية مدبرة بدقة) جرى التخطيط لها عمدا، لتحقيق عدد من الأهداف التكتيكية قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.

ما يدفعنى إلى الزعم بوجود تدبير مسبق لهذا المشهد الذى تطور فى تصعيد ساخن، ثم انتهى فى صمت، أننا (أنت وأنا) لم نسمع من قبل عن خلافات علنية داخل مكتب الإرشاد بهذا المستوى، وأنت وأنا من حقنا أن نندهش لاندفاع الإخوان نحو إعلان هذا الشقاق السياسى علنا على هذا النحو، فانسحاب المرشد وإعلانه الاعتكاف القصير جرى أمام الصحفيين، كما أعلن (بنفسه) فى سابقة فريدة فى تاريخ الإخوان، أسباب انسحابه فى تصريحات رسمية للصحف، وأعضاء مكتب الإرشاد لم يلتزموا الصمت كما هى العادة، داخل هذا التنظيم المشهور بالتماسك والسرية، بل اندفعوا فى المقابل إلى الرد والتعقيب فى وسائط مختلفة، من بينها الموقع الرسمى للجماعة على شبكة الإنترنت، وعدد من الصحف المصرية والعربية.

أضف إلى ذلك، أن ما يسمى بحركة شباب الإخوان المطالبين بالتغيير والذين تحركوا مرات متعددة، بإعلان مواقف مناهضة لمكتب الإرشاد، أو معارضة لمهدى عاكف، أو أصدروا بيانات تحمل انتقادات للقيادة المركزية، أو لأحد قيادات الجماعة، هذه الحركة بكاملها لا يمكن أن تخرج إلى النور، إلا عبر ضوء أخضر من داخل الجماعة، فآليات السمع والطاعة والولاء لا تسمح بأى حال لاستمرار هؤلاء الشباب فى العمل التنظيمى الداخلى، فى حالة إقدامهم على مخالفة تؤدى إلى (شق وحدة الإخوان)، أو (نقض الالتزام التنظيمى فى الجماعة)، فالأمر هنا برمته، لا يمكن قبوله منطقيا، بالنظر إلى القواعد الحاكمة لحركة هذا التنظيم.

الاجتهاد فى تفسير هذا المشهد يقودنا إلى احتمالين:
إما أن الجماعة وصلت إلى مرحلة من الشيخوخة والوهن التنظيمى الداخلى، مما أدى إلى إضعاف سلطة المركز على الأطراف، وتراخى قبضة القيادة الداخلية، وتراجع قدرتها على الاحتفاظ بسريتها التاريخية وتماسكها العتيد، أو أن الجماعة خططت بعناية لكى يصل هذا الخلاف إلى الإعلام والرأى العام، لإعادة هيكلة صورتها الداخلية أمام الناس، وتحقيق أهداف سياسية محددة.

أعرف بالطبع أن السيناريو الأول يغرى الكثيرين من الخصوم السياسيين للإخوان، وأعرف كذلك أن هناك من يروج هذه الفكرة لمصالح انتخابية ودعائية مؤقتة، ويؤسفنى أن أجزم لك، بأن هذا التصور عن ضعف الإخوان واهم، وغير حقيقى، ولا محل له من الإعراب، فالجماعة قد تعانى حاليا من قبضة أمنية مشددة، واعتقالات فى صفوف الكوادر العليا، ومحاكمات عسكرية مستمرة، وأداء مثير للسخرية فى بعض ممارسات وتصريحات المرشد العام، وتسريبات بخلافات فى القيادة العليا، لكن هذا لا يعنى بأى حال أنها بلغت مرحلة الشيخوخة، بل على العكس مما يبدو على السطح، فإن الجماعة تتسع أفقيا ويزداد تماسكها تحت التحديات الأمنية المتواصلة، وعلى خلفية استثمارها الأخطاء السياسية للجهاز الحكومى فى الخدمات العامة .

شخصيا، أرجح فرضية (المؤامرة السياسية المحسوبة) من قبل الإخوان، لتحقيق أهداف مرحلية، تخدم مستقبل الجماعة. تقديرى أن الجماعة أرادت إعادة بناء الصورة العامة لشكل اتخاذ القرار داخل مكتب الإرشاد، بحيث يبدو الأمر أنهم يميلون إلى إعمال القوانين واللوائح الداخلية بآليات ديمقراطية، وأن مساحة الخلاف الداخلى بين قيادات التنظيم تسمح بتباين وجهات النظر، ردا على الحملات التى تصفهم بالديكتاتورية والاستبداد والميل إلى الحكم المطلق.

ليس ذلك فحسب، لكننى أتصور أن الإخوان يخططون لإعادة تقسيم هياكل هذا التنظيم العملاق، على نحو يسمح لهم بمناورة واسعة مع النظام، الذى يشحذ طاقته للمواجهة خلال العامين المقبلين (2010 الانتخابات البرلمانية و2011 فى الانتخابات الرئاسية)، وهذه المناورة تستهدف الفصل بين (النشاط فى مجال الدعوة) من جهة، و(النشاط فى المجال السياسى) من جهة أخرى.

فصل العمل الدعوى عن العمل السياسى، كان يمثل هاجسا دائما لدى حكماء الإخوان لسنوات طويلة، وربما تفكر الجماعة الآن فى الضرر الذى لحق بنشاطها الدعوى، بسبب ضغوط العمل السياسى، فلم تعد الدعوة كما كانت، لا على صعيد المساجد التى ينشط فيها الإخوان، أو المدارس التى كانت تدار عبر كوادرها التربوية، أو الجمعيات والنقابات التى كانوا يتألقون فيها لسنوات طويلة، ومن هنا فإن الثمن الأكبر الذى دفعته الجماعة، كان من رصيد العمل الدعوى، صحيح أن كوادرها احتلت ثلث مقاعد مجلس الشعب، لكنها لم تنجز شيئا حقيقيا داخل البرلمان، كما أدى هذا الوجود البرلمانى الكثيف إلى الإضرار بكوادر تنظيمية أخرى، برعت فى مجال الدعوة، كما برعت فى الأنشطة المهنية والنقابية والإغاثية الأخرى التى يتصدى لها التنظيم.

الحل الذى طرأ على العقل المركزى للإخوان، هو فى إعادة بناء صورتها أمام الدولة، وأمام أجهزة الأمن، وأمام الرأى العام، بحيث تسمح مرة أخرى بلعبة (الصقور والحمائم)، وتقسيم الكوادر إلى معتدلين ومتشددين، وتقديم نخبة من قيادات الجماعة على أنها من أنصار العمل الدعوى، مقابل مجموعة أخرى ترغب فى مواصلة العمل السياسى بنفس هذا المستوى الجامح، وتوصيل رسائل إلى كل هذه الأطراف، بأن مكتب الإرشاد ليس على قلب رجل واحد فى القضايا الخلافية الداخلية.

الإخوان يحاولون هنا احتواء أزمة عاصفة مرتقبة فى علاقتهم بالدولة، ويخططون من خلال هذه التقسيمات والخلافات العلنية إلى حماية النشاط الدعوى، فى حالة تعرض العمل السياسى لضربة قاصمة من الأجهزة الأمنية خلال العامين المقبلين، ولا مانع هنا- إذا صح هذا الافتراض- أن يكون التصور النهائى فى مخطط الإخوان، هو الوصول إلى تقسيم أقرب إلى النموذج الذى عاشت عليه جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، والتى عملت بثنائية (الجماعة) و(الحزب)، فأسست حزب (جبهة العمل الإسلامى) الذى تحرك فى المجال السياسى الأردنى على نحو مستقل عن كيان الجماعة الأم التى تفرغت للعمل الدعوى فقط دون غيره.

صحيح أن الجماعة يشق عليها الآن إعلان حزب سياسى، يماثل حزب جبهة العمل الإسلامى فى الأردن، لكن صحيح أيضا أن ما يجرى تسريبه عن انشقاقات داخلية، يمكن أن يفرز حلا بديلا، كأن يجرى اختيار مرشد للعمل السياسى، مقابل مرشد للعمل الدعوى، أو أن تتحدد اختصاصات المرشد العام فى مجال الدعوة فى حين تقدم الجماعة شخصية جديدة تعمل باعتبارها رأس المكتب السياسى للإخوان، بحيث لا يسدد مرشد الجماعة ثمن أخطاء المكتب السياسى، ولا تتضرر أعمال الدعوة باشتباكات المكتب السياسى وكوادره.

لا أزعم أن هذا بالتحديد ما قد ينتهى إليه الأمر، ولكننى أنحاز إلى أن التيار الفكرى العام داخل الإخوان، يذهب نحو حلول من هذا النوع، وكل ما يجرى حاليا من خلافات علنية غير مسبوقة، هدفه الوصول إلى صياغة قريبة من هذا الشكل.

ربما ينجح الإخوان هنا كما نجح الإخوان فى الأردن، وربما ينقلب هذا السحر على صاحبه، فيصبح الخلاف المدبر حقيقيا، وتصبح التسريبات المحسوبة تيارا لا يمكن السيطرة عليه فى المستقبل، سواء من مكتب الإرشاد، أو من أجهزة الدولة..ربما.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة