تتلاشى كل الأصوات من حولي، ولا يتبقى فى فراغ الغرفة غير صوت معلق المباراة الجزائرى المجروح يصرخ:
"Les Egyptiens ont gagné à la dernière minute, Mais, Espérons que le reste du Soudan"
أى "فاز المصريون لكن الأمل باق فى السودان".
كنت وحدى فى غرفتى التى أغلقت بابها على خوفا وارتعاشا من مصير غامض لفرحة شعب، نعم هى مجرد مباراة، نعم هى مجرد كرة قدم، لكن لأنها الفرحة الوحيدة لشعبى فلا بد من الخوف من أن يرجع الجميع من الاستاد بخيبة الألم، أى ألم كان يجتاحنى فى هذه اللحظات فى خيبة الأمل التى خيمت على كل المصريين فى كل المجالات؟، أى ألم كان سوف يغطى بسحابته السوداء كل بيوت المصريين، إلا كرة القدم؟ فليكن، هى فرحة شعب يحصل عليها بثمن رغيف الخبز يعانى الأمرين فى الحصول عليه، بعيدا عن مستثمرى إعلانات المياه الغازية وأرباحهم المنتظرة من عرق الشعب المصرى وجمهور كرة القدم، قررت أن أشاهد المباراة فى الفضائية الجزائرية خوفا من أن أسمع بأذنى صوت المعلق المصرى وهو يتألم من الإصابة فى قلبه، فقررت مشاهدة المباراة فى الفضائية الجزائرية حتى لو كنت سوف أتألم من كلمات الشماتة فى صوته فسماع كلمات الشماتة أخف على من صوت من يتألم لوجع فى قلبه، فلم يعد فى القلب مكان للوجع.
لم تعد التحليلات الكروية التى يهجم بها علينا محللو الفضائيات ذات نفع فقد فعلها "الفريق" بقيادة الكوتش الرائع حسن شحاتة الذى قاد "الفريق" للفوز بحكمة وثبات أعصاب لا يتحلى بهما إلا القادة الذين اختارتهم العناية الإلهية وأرسلت لهم الملائكة لحراستهم، استطاع "الفريق" إحراز "الهدف" الأول، لكنه يصبح بلا جدوى إن لم يلحقه "الهدف" الثانى على الأقل، لم ييأس "الفريق" ولم يصب أعضاؤه بنفاذ الصبر الذى يصيب المعارضة المصرية فى مواجهة الحكومة، لأن المعارضة المصرية ليست "فريق" واحد، وفى اللحظات الأخيرة يستطيع "الفريق" الرائع أن يحرز "الهدف" الثاني، وهنا سوف نبتعد عن الحديث فى كرة القدم ونبحث هذا السر العبقرى فى هذا الفوز الرائع: الأمر هو "فريق" يسعى لتحقيق "هدف" ليفرح شعبا بأسره، إنها روح الجماعة، روح "الفريق" الواحد، هذا يوم تختفى فيه الفردية ليعمل الجميع كشغالات النحل فى خلية عسل النحل ليأكل كل خلق الله شهدا حلالا رائع المذاق، لم يكن هناك أبو تريكة فردا يحمل على كتفيه عبء الفوز، بل كان هناك أبو تريكة عضوا فى "الفريق" الواحد، تحول كل أفراد الفريق بما فيهم عصام الحضرى إلى فريق واحد، كان كل الفريق أبو تريكة، وكان أبو تريكة هو عمرو ذكى ومحمد زيدان وعبد الظاهر السقا وسيد معوض، كان محمد بركات هو أحمد المحمدى ومحمد حمص هو محمد أبو تريكة وأحمد عيد عبد الملك، لم يكن يستطيع كل من يشاهد "الفريق المصري" أن يفرق بين عماد متعب وأحمد حسن، أو بين أحمد حسن وعصام الحضري، كان الجميع أفرادا فى المجموع الذى هو "الفريق"، فلا نصر يتحقق بالأفراد مهما كانت مهارات الأفراد، النصر، أى نصر، لا يحققه إلا الجماعة، لا يحققه إلا الفريق الواحد، نعم فى هذا اليوم حققت الجماعة المصرية نصرا لأدخل الفرحة على قلوب كل المصريين، نعم، كرة القدم، مجرد مباراة فى كرة القدم، لكنها أدخلت فرحة على قلوبنا المنهكة، هنيئا للمصريين بهذا الفريق.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة