احتضن مجدى عبدالغنى، جمال مبارك، واحتضن الوزير سيد مشعل، الدكتور زكريا عزمى، وقفز الفنان إيهاب توفيق من مقعده، حدث كل ذلك فى ثوان معدودة، بعد أن أحرز عماد متعب برأسه الذهبية هدف مصر فى الجزائر، وقبل المباراة، قدم البابا شنودة احتفالية عيد جلوسه من السبت إلى الأحد، ودعا خطباء فى المساجد الله أن تفوز مصر، وأجل حزب التجمع انعقاد اجتماع أمانته العامة إلى ما بعد المباراة، وعاد أعضاء حزب الكرامة «تحت التأسيس» بعد انتهاء مؤتمرهم العام إلى محافظاتهم لمتابعة المباراة مع أصدقائهم وأهلهم.
لم يكن الإعلام وحده هو المسئول عن كل ذلك، ولم يكن إشعال حماس المصريين فى مباراة مصر والجزائر هو صنيعة إعلامية، ولم تكن مباراة يتهمها غير الكرويين بأنها جنون، تشجيعها يدارى هزائمنا فى المجالات الأخرى.
تابع المباراة سياسيون ومثقفون وفنانون ومثقفون وأثرياء وفقراء وعاملون وعاطلون، وأطفال وكبار، ولا يمكن اتهام كل هؤلاء أنهم اجتمعوا على أن الفوز على الجزائر من شأنه أن يدارى هزائمنا العامة، تفوز البرازيل فيفرح البرازيليون، وتفوز فرنسا فيفرح الفرنسيون، وتفوز أنجولا فيفرح الأنجوليون، وتفوز إيطاليا فيفرح الإيطاليون، الكل أمام كرة القدم فى الفرح والحزن سواء، لأنها الساحرة المستديرة.
هى الساحرة المستديرة التى توحد ولا تفرق فى الرغبة بالنصر، تؤجج المشاعر ولا تهبط بها، تجعل من الملايين لاعبين محترفين وهم يشاهدون المباراة رغم أن الفريق الواحد 11 لاعبا فقط، تجعل الملايين مدراء فنيين رغم أن الفريق له مدير فنى واحد، تجعل الملايين محللين يفهمون أسرارها، رغم العدد القليل للمحللين الذين جربوا وكتبوا ولعبوا، تجعل الأطفال كبارا، فى متابعة المباراة، والكبار أطفالا فى التعبير عن فرحتهم بالفوز.
هى كرة القدم التى لا ديمقراطية فيها، فالهدف هو ديكتاتور الـ90 دقيقة، والفوز هو الذى يحمى المقصرين أحيانا، والخسارة تعنى وابلا من الاتهامات والشتائم، واستدعاء كل ما هو سيىء للاعبين والمدربين والمسئولين، مجنونة الكرة لأنها تحمل كل هذه التناقضات، ومجنونة لأنها كل إنسان يختار منها ما يراه، ويظن أن ما يراه هو الصح المطلق، مجنونة لأن وزنها قليل، لكنه الوزن الذى بمقدوره أن يمنح الفرحة للشعوب، مجنونة لأنها بلا عقل ولا قلب، لكنها رغم ذلك تهب الفرحة وتصنع الحزن للناس.