الوحيد الذى يستحق أن نعزيه فى خسارة فريقنا أمام الجزائر هو الجمهور المصرى، الذى سهر أيام يتمنى الفوز ليفرح لوقت قصير، ولما انهزم أصابه الحزن والغم كالعادة، الأغلبية تصمت أو تنام أو تحزن بشدة، وسرعان ما تنسى لتدخل فى دوامة الحياة. هذا المواطن هو الذى يستحق أن نطيب خاطره، نقول له "ماتزعلش".
ولا عزاء لـ"القرداتية" الذين حاولوا أن يصنعوا من ماتش كورة اختبارا فى الوطنية أو معركة مصيرية، الفوز فيها ينقلنا إلى عالم آخر، هؤلاء الذين راهنوا على توظيف الفوز فى محو الذاكرة واستغلال الفرح لتجاوز المشاكل.أو نسيان هزائم أخرى.
لاعزاء للقرداتية والبلطجية الذين حطموا السيارات وأحرقوا الناس بزعم أنهم فرحانين بعد مباراة القاهرة، هؤلاء قرداتية الوطنية الذين يشبهون نظرائهم الجزائريين الذين تحولوا إلى كائنات تافهة تتقافز فى هيستيريا بلا هدف، هؤلاء لا يمكن اعتبارهم وطنيين لأن أمثالهم هم الذين يقتلون ويحرقون ويذبحون أخوتهم فى الجزائر، علاقتهم بالعلم الذى يحملونه علاقة مرضية لأن من يحب وطنه لايقتل أو يحرق بسبب مباراة فى كرة قدم، ولا يمكن اعتبار أن بلطجة بعض الجزائريين ضد المصريين الأبرياء فى الجزائر، تضيف لوطنية الجزائريين شيئا سوى المزيد من تشويه الصورة والتأكيد على أن الإرهاب لديهم لا علاقة له بالوطن ولا بالدين. والذين حاولوا استعادة الماضى بين مصر والجزائر إنما يتحدثون عن تاريخ مضى، فلا مصر هى نفسها، ولا الجزائر.
أما المواطن العادى الذى ساند فريقه وسهر معه وانفعل من أجل الفوز ثم أصابته الأحزان فانصرف، هؤلاء هم الأغلبية ممن يعرفون معنى الوطن والعلم عندهم ليس قطعة قماش بعشرين جنيها.
كثيرون من قرداتية الفضائيات والإعلام لا يختلفون عن نظرائهم الجزائريين، حولوها إلى حرب وبالغوا فى تسخين الجمهور وتجهيزه لانتصار لم يكن سهلا. ولا هم لهم سوى أن يمارسوا بلطجتهم على عقول الجمهور ويواصلوا شحنه وتسخينه بدعوى الدفاع عن الوطن الذى تم اختصاره فى ماتش كورة، وكأننا نراهن على تجاوز كل مشكلاتنا بهذا الماتش الذى أصبح هو جائزة الجوائز، وشهادة المليونير وعودة الغائب.
والقرداتية ليسوا فقط فى الإعلام الذى يرمى إلى الربح لكن أيضا فى السياسيين الذين استغلوا النية الطيبة للجمهور ورغبته الصادقة فى تشجيع فريق بلده، ليحولوها إلى دعاية حزبية رخيصة ورهان على أن هذا الجهور يمكن الضحك عليه واستغفاله، ومنحه فوزا بدلا من مستقبله، وهؤلاء فى مصر والجزائر، هم الذين حاولوا أن يصوروا الفوز فى مباراة على أنه نهاية المطاف وآخر أحلام المواطنين.
ولهذا تعلق بها الجمهور ونسى كل شىء. وهؤلاء لا يختلفون كثيرا عن تجار الأعلام الذين حولوا الوطنية إلى قطعة قماش تقاس بطولها مساحة حب الوطن. مع أن هناك مشجعين لم يحملوا شيئا وحملوا مصر فى قلوبهم.
هل يهتم الحزب الوطنى أو النظام بمشاعر الجمهور، هل التفتوا إلى أى مدى يمكن أن يقدم هؤلاء أنفسهم للبلد لو دعاهم أحد، هذا الجمهور مدعو فقط فى المباريات، ومعزول باقى أوقات العام. وهل يمكن أن نحذف الفرح طوال العام ونتركه ليوم أو يومين؟. وفى الجزائر وجدها نظام متسلط هو الآخر فرصة ليبعد المواطنين المغيبين عن رؤية واقعهم وحياتهم، واندمج فى الهيستيريا بدعوى الوطنية.
الجمهور فقط هو من يستحق أن نقول له هون عليك، هؤلاء الذين فرحوا وانفعلوا وأصابهم النكد والغم بعد الخسارة. أما تجار الأعلام وصناع الفتنة وقرداتية السياسة والأعلام، فهم يمارسون التزوير فى كل مشاعر الوطنية.