احزنوا كما شئتم واغضبوا كما يحلو لكم، لكن فكروا قليلا فى أننا خسرنا مباراة، ولم نخسر حرب. و لو توقفنا أمام ما جرى خلال الأسبوع الماضى، لن نكسب سوى مزيد من الغم، ولو انشغلنا بناكرى الجميل، أو الشتامين، والبلطجية، لن نربح شيئا. هناك فرق كثيرة خسرت مباريات، بل وخسرت كأس العالم، ولم تفعل مافعلناه، ولا مافعله الجزائريون.
وهذه الدائرة العبثية بلا بداية ولانهاية، لم نشهد من قبل مباراة تتحول إلى أزمة دبلوماسية، ولا جمهور يحمل السيوف والسنج ليطارد جمهور الفرقة الخاسرة. وهو دليل عملى على المدى الذى يمكن أن يصل إليه التعصب والتطرف، فى الكرة مثل الدين أو الوطنية.
كأننا نرفع العلم لأول مرة، وكأننا نكتشف الوطن لأول مرة، لماذا نعتبرها آخر مرة.. تلك الوطنية المحبوسة من سنوات، تريد الخروج، لماذا لا نجعلها دائمة. ونختصرها فى طنين لبعض الميكروفونات الفضائية؟.لماذا ونحن نقول إننا دولة كبيرة لانتصرف كدولة كبيرة، نتجاوز عن أخطاء الصغار قليلا، ونتوقف عن ترديد كلام لا يصلح فى مثل هذه الأوقات، ومن غير المناسب أن نتذكر أمجاد التاريخ، فى ملعب كرة، أليس لكل مقام مقال. لأن الجزائريين ردوا بإنكار يميز مشجعى كرة القدم، فالانحياز لفريق يعمى عن رؤية غيره.
وإذا كان هذا النظام أدرك إلى أى مدى يحب المصريون وطنهم أليس من المفيد أن يدعوهم ليحبوا وطنهم، ويشاركوا فى اختيار حاضرهم ومستقبلهم. هؤلاء الذين أغضبهم أن تشتم بلدهم، أو تهان رموزهم، وتضايقوا من أن يوجه بعض الجزائريين شتائم لرموز هم أنفسهم يدعون عليهم.
هناك مجالات كثيرة يمكننا أن نرفع فيها العلم ونفتخر بكل هذا الحب لمصر، أكثر من مباراة، وأوسع من ملعب، لدينا ملاعب كثيرة يفترض أن نضع فيها وطنيتنا بدلا من أن نظل نبكى على شىء راح، أو على كرامة نظن أنها أهدرت. ومصر لايمكن اختصاراها فى مباراة أو فى كلام يخرج من جمهور غاضب يغرق فى أوهامه لينسى واقعه الأليم.
لقد تقبل المصريون الهزيمة بحزن وغم كالعادة، ومع استمرار الشحن والتسخين بدا أن الأمر كله موجه إلى الجزائر وحدها، نسينا مثل كل مرة أن نفكر فيمن تسبب فى الخسارة. انشغلنا بالرد على كل اتهام أو شتيمة يوجهها جزائريون، لقد أخطأوا كثيرا ، واسترداد الكرامة ليس بكل هذه العصبية، والمعايرات الصغيرة التى لا تليق بالكبار، ويرد عليها الآخرون بما يناسب جمهور كرة.
وإذا كنا بالفعل نشجع مصر فلماذا لا نستمر فى هذا التشجيع، لماذا لا نواصل تشجيع العلماء إلى نوبل والأطباء إلى الطب، ونشجع البيئة النظيفة، ونشجع النيل ضد التلوث، ونشجع الدستور والحرية، بنفس الحماس ونفس السلمية، ونفس الحضارية. أعرف أن هذا الكلام سيبدو سخيفا أمام قضية وطنية يراها البعض الأولى بالرعاية ـ أقصد قضيتنا مع الجزائرـ والانتقام من اعتداءات غير مبررة للجمهور الجزائرى فى السودان. لكنى أعرف أننا كان يفترض أن نصطحب ضمن مشجعينا من يمكنهم الدفاع عن النفس، أو نكتفى بهذا القدر ونرجع لنفكر فى استغلال طاقة الغضب والرغبة فى عمل أى شىء مفيد غير السير فى الشوارع وإطلاق الكلاكسات.
وطالما ظلت الفضائيات تحكى قصتنا فى السودان والصحف ترمى بكل ثقلها على الشتائم الموجهة لن نتوقف عن الغضب والدعوة لمقاطعة الجزائر فى المهرجانات والمباريات والمعارض، وسوف يخرج من يطالب رجال الأعمال المصريين بسحب استثماراتهم من الجزائر، من دون حساب لمصالح متشعبة أكثر من مباراة وأهم من غضب عابر. اعتذر وأنا أقول إننا سنظل نغضب ونصرخ ونروى قصتنا وننسى الهزيمة ثم ننسى كل هذا وننصرف إلى شئوننا، سنشتم القومية والعروبة. دون أن ندرك أن الجزائر نفسها ودعت عهد العروبة، طوال سنوات اندمج فيها جزائريون فى قتل إخوتهم، باسم الإسلام، أليس الأسهل أن يقتلوا باسم الكرة. وسنظل نفتش ونفتش ونطالب بمراجعة ثوابت لم تعد موجودة.
فلا العروبة على حالها ولا القومية بقيت، هناك مصالح ، تصنع قوميات وتقيم أوطان. علينا أن ندرك أننا إذا كنا نشجع الفريق المصرى فقد خسر، وإذا كنا نشجع مصر يمكننا تشجيعها ماطاب لنا التشجيع، وحتى آخر العمر. فهى قدامنا وتحتاجنا وتنادينا طوال الوقت.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة