ما ارتكبه الجزائريون من اعتداءات سافرة على المصريين فى السودان وقبلها فى القاهرة لابد له من وقفة على كافة الأصعدة .. ولكن دعونا نسأل أنفسنا ذلك السؤال البسيط الذى اكتشفنا تطبيقاته المفزعة.. لماذا يكرهنا الجزائريون وغيرهم من العرب الذين نصر على تسميتهم بالأشقاء!
فى الحالة الجزائرية لا يكفى التبرير بأن الجزائريين دمويون بطبعهم أو أن النظام الجزائرى المأزوم سياسياً قرر اللعب على ورقة الشحن المعنوى العنيف وتسريب الكبت والاحتقان الموجودين عبر بوابة التنافس مع مصر .. قد يكون ذلك صحيحاً جزئياً لكنه ليس السبب الأساسى الذى يجعل المشجعين الجزائريين يطاردون المصريين فى السودان بالسنج والمطاوى لمجرد أنهم مصريون .. أو أن يهينوا الفنانين المصريين الذين يحلمون بالتصوير معهم أو مصافحتهم.
هناك تحول فى الوعى الجزائرى والوعى العربى تجاه مصر خلال السنوات الأخيرة لم نستطع إدراكه، فضلاً عن مواجهته ، وكلمة السر فى ذلك هى الإعلام المصرى العاجز عن التلاقى مع العرب واجتذابهم والتأثير فيهم وصناعة الصورة المصرية الجميلة فى أذهانهم.
أقول إن المشجعين الجزائريين الهمج فى القاهرة والسودان ليسوا من أبناء "صوت العرب" ولا الفن المصرى الذى كان يشكل وجدان الشباب والشيوخ من المحيط إلى الخليج .. إنما هم أبناء أصلاء للفضائيات مثل "الجزيرة القطرية" المعروف دورها فى بث الفرقة ومحاولة تقديم المراكز الأساسية فى المنطقة العربية لصالح أجندات سياسية غير عربية بالمرة، كما أنهم أبناء أصلاء لإعلام بلدهم المأزوم الذى يحاول أن يوظف خطاب الدين والرياضة والتطرف السياسى لخدمة النظام القائم هناك.
بمعنى آخر كانت الإدارة المصرية تُشتم ويُشوه دورها تجاه الشعب الفلسطينى وإعلامنا عاجز عن التعبير الناجح والمقنع عن السياسية المصرية، فضلاً عن مخاطبة الشعوب العربية بخطاب يوضح الحقائق ويضع النقاط فوق الحروف.
لذلك اجترأ الهمج الجزائريون على المشجعين المصريين ووصفوهم بالخونة.. ووجدوا فى ذلك سنداً معنوياً لاعتدائهم وهمجيتهم. هذا الوصف وغيره من الأوصاف المغلوطة إنما هو نتيجة تشويه إعلامى مقصود للإدارة المصرية وللدور المصرى على مدى عقود من خارجها ونتيجة لتقصير إعلامى داخلى عجز عن قراءة التحولات العربية وبلورة خطاب قادر على التعامل معها والتأثير فى الشعوب العربية باعتباره محيطه الإقليمى الأول.
من السهل القول إن الجزائريين يكرهوننا لأنهم همج ثم نضع نقطة ونحن راضون عن أنفسنا ثم نكفر بالعروبة والأشقاء ومحيطنا الإقليمى .. وقد ندير معركتنا على أنها عربية -عربية ثم نلتفت إلى دعوة بعض المفكرين بالاتجاه شمالاً إلى أوربا .. أعتقد أن فى ذلك خطأ كبيراً لأننا لن نستطيع التخلى عن محيطنا العربى حتى لو أردنا .. حتى لو تعرضنا للتشويه والعدوان .. لأن أمتنا وتقدمنا مرتبطين بذلك المحيط العربى شئنا أم أبينا، ولكن علينا إجراء مراجعة حقيقية لمعرفة كيف حدثت هذه الفجوة الإعلامية بيننا وبين الشعوب العربية .. كيف ضعفت البصمة المصرية على أذهان ثلاثة أجيال عربية على الأقل .. لماذا أصبحت روافد القوة الناعمة المصرية من ثقافة وفنون وتعليم تصب فى بحار الرمال الصحراوية وتضل طريقها إلى حيث ينبغى أن تصل؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة