"نحن نحبّ مصر وشعبها وأرضها ودعاتها وفنانيها تماما مثلما نحبّ كل الأنبياء ونؤمن بهم جميعا نسمّى أبناءنا مصطفى كامل وأحمد شوقى وطه حسين وعبد الحليم ومحمد الغزالى وعبد الناصر نحب عبد الحميد كشك وأنيس منصور ونتسمّى باسميهما رغم أنهما كانا يتنابذان بالألقاب، فأنيس يقول عن كشك "كشك فون"، وكشك يقول عن أنيس "أنيس مسطول". ويقول رابح " أنتم يا شعب مصر قريش العرب، فاجرنا تابع لفاجركم وتقيّنا تابع لتقيّكم من أين لنا نحن الذين فرنستنا فرنسا أن نعرف أن الإسلام دين ودولة، مصحف وسيف، عقيدة وشريعة؟ من أين لنا ذلك لولا حسن البنّا؟ من أين علمانية العلمانيين عندنا لولا فؤاد زكريّا؟ .. كنت أحدّث أحد إخوتى من مصر عن حبى لمصر، عن عشقى لها رغم أنى لا أعرفها إلا من خلال العقاد وأحمد شوقى وحافظ والمنفلوطى، وأمّ كلثوم و عبد الوهاب وفريد الأطرش - نعرف أنه درزى عشق مصر مثلما عشقناها..نحبّكم و نرسم صور حبيباتنا على هيئة ليلى علوى و ليلى طاهر و سهير رمزى، نحبّ مصر حتى النخاع، غير أن الدهماء عندنا لا يزالون ينظرون اليكم من خلال "كامب ديفيد"، فالتمس لأخيك سبعين عذرا فان لم تجد فلم نفسك".
هذا الكلام كتبه رابح الجزائرى على موقع اليوم السابع يعلق فيه على ما ينشر، وكتبه كثيرون من الجزائريين الذين لم تأخذهم العزة بالإثم وهناك كثيرون مثلهم ينظرون لمصر هكذا. وليس علينا أن نستند إلى الالتراس ليحددوا لنا ما نفعله وما نتبناه. وأنا أدعو كثيرين أن يتخلوا قليلا عن عقلية "الالتراس"، ويحاولوا تفهم أنه إذا كان هناك من يجهر بالنقد أو حتى يمارس كراهيية ضد مصر فهناك عشرات الملايين ترى مصر بصورة أخرى، أما كيف تحولت مباراة فى كرة القدم إلى مسابقة فى التاريخ، فهذا لأننا استسلمنا أو بعض منا استسلم لتيار جارف، لا يعرف إلى أين يمكن أن تقودنا هذه الحرب.
وإلى الذين يتساءلون: لماذا يكرهوننا، نقول لهم إن هناك عشرات الأسباب تجعل إخواننا العرب يحبون مصر، ويرونها دولة كبرى، يلوموها أحيانا، يشتموها بعض الأحيان، دون أن يغير ذلك من الأمر شيئا.
أعرف أننى ربما أسير على عكس تيار واسع يتجه نحو التصعيد، مع الجزائر وأنا لا أتعاطف أبدا مع ما يفعله بعض الجزائريين وما فعلوه ضد إخوانهم المصريين فى السودان، لكنى أعتقد أن تيارا جارفا يتجه بنا نحو الحرب، بينما الدولة المصرية أو القيادة السياسية فى أشد لحظات التصعيد كانت تغلب الحكمة على التصعيد، وتطلب التعقل بديلا للتهور، ويحق لنا أن نطالب بالحكمة والتعقل، ونحن لسنا امام عدو تاريخي، ولا استعمار استيطاني، بل نحن أمام شعب شاركناه اياما صعبة، دعمناه ، وساندنا. وعلينا أن نسأل: كيف وصل العداء بين مصر والجزائر ليصبح أشد مما هو ضد إسرائيل؟ .. التعصب وليس غيره، والتطرف وليس سواه.
وإذا كان البعض طرح سؤالا بمناسبة الأزمة: لماذا يكرهنا بعض إخواننا العرب؟. ونعرف هناك أنظمة سياسية وبعض التيارات العنصرية والشعوبية تحاول طوال سنوات أن تقلل من قيمة مصر وتقلل من قيمتها وتضخم من عيوبها ، وللمفارقة فإن هؤلاء يستندون على انتقادات تنشرها الصحافة المصرية، وهذا بالطبع ليس عيبا فالصحافة المصرية هى الأكثر حرية من بين الصحافة العربية وتمارس حق النقد ضد الحكومة والنظام بل والرئيس.. ويشبه الأمر مع الفارق أن كثيرا ما نستند على مصادر أمريكية لنوجه انتقادات لأمريكا.
إذا كان البعض تساءل: لماذا يكرهوننا فإننى أرى كثيرا من العرب يحبون مصر حتى لو لم يكونوا من أنصار القومية. وفى كل قطر عربى سوف تجد مثقفين وجمهور يحفظون عن ظهر قلب أسماء الأدباء والفنانين والدراما المصرية ماتزال هى الأكثر سيادة وانتشارا واللهجة المصرية هى الأخرى. لقد عشق الكثير من العرب ومازالوا أم كلثوم وعبد الوهاب ونجاة وفريد الأطرش وأدمنوا المسلسلات المصرية بكل أنواعها، والفن المصرى والثقافة المصرية، وغيرها كثير، ثم أن عقلاءهم لم ينكروا ما فعلته مصر وعقلاؤنا لم يتجاهلوا ما قدمته غيرها ردا للجميل، وعبد الناصر كان يساعد ثورة الجزائر لمواجهة الاستعمار، والجزائر ساندت مصر كل هذا من الطبيعى أن يتم تجاهله فى مناقشات عبثية يتصدر صفوفها جمهور متحمس كثيرا ومتعصب أحيانا. وطبيعة مناقشات كرة القدم انها لاعقل فيها ولا منطق. انظر للعداء بين جمهور الأهلى والزمالك عندنا وانظر كيف يسقط قتلى فى دورى الدرجة الثانية بالجزائر..
أعرف سعوديين وكويتيين وإماراتيين وسوريين ولبنانيين يعشقون مصر ويعترفون لها بالكثير من الميزات، لكن هذا لا يعطى الحق لان نعايرهم ونمن عليهم ونحكى لهم عن أنفسنا ، ولا أن نطالبهم بأن يظلوا طوال الوقت أسرى جمايلنا، بين العرب من يمتلكون أسبابا لانتقاد مصر دون أن يعنى أنهم جميعا يكرهوننا، ولا نتصور أن يتعامل البعض مع قطر كمنافس، أو حتى مع غيرها، ثم أن الدول العربية فى أغلبها تسير فى كثير من خطواتها وراء مصر فالتشريعات والدساتير فى كثير من هذه الدول وضعها فقهاء مصريون والنشيد الوطنى الجزائرى لحنه الموسيقار محمد فوزى فهل يمكن فى حمى التعصب أن يلغوا نشيدهم الوطنى أو يغيروا لحنه؟.
عبث تلك الحرب التى انتقلت إلى تغيير أسماء الشوارع فى مصر اقتراحات بتغيير اسم شارع الجزائر إلى حسن شحاتة وربما يغير الجزائريون أسماء شوارع عبد الناصر أو القاهرة إلى روراوة، وإذا التاريخ المشترك ضحية ، يمكننا أن ندين كل من اخطا فى حق مصر ، دون ان ننسى ان هؤلاء صحيح أنهم فى الواجهة لكنهم ليسوا هم الجزائر، ولا يمكن أن نعتبر كل من يتطاول أو يسب هو ممثل للدولة الجزائرية. ومن حق مصر أن تطالب بحقها دون أن نتورط فى تصرفات ومطالب صغيرة لاتتناسب مع قيمتنا. نرد الإهانة دون أن ننسى أن هناك أشياء كثيرة مشتركة يمكن التواصل معها. وإذا كنا نتضايق من بعض الأوصاف والشتائم التى وجهها متعصبون جزائريون ضد نساءنا فقد خرج نائب للشعب عندنا ليقول إن وجود قيادة نسائية لحركة التحرر الجزائرى يعنى أنهم بلا رجال فهذا كلام لا يليق، ولا يمكن أن نعتبر بن بيلا أو بومدين فى جمع واحد من بعض الجهلاء. وألا ننحرف وننحدر إلى الجهل والتنابذ والشتيمة التى بلا معنى. لديهم جروبات وصحف تعلن أنها تكره مصر ولدينا جروبات أعلنت أنها تكره الجزائر وترفضها وتعاديها. وما جرى فى السودان خطأ والشتائم خطأ لكن علينا أن نراه من منظورنا ، ونعرف أن الإعلام هناك وأيضا بعض الإعلام هنا حرص على نشر كل الشتائم لحظة بلحظة ليعيد الشحن والتسخين. وكل فريق يزعم أنه يحب بلاده، وينتصر لها فيمعركة كل فائز فيها مهزوم..