من المعلوم بالضرورة لدى جموع البشر أن الأخ الأصغر غالبا ما يسعى لتقليد شقيقه الأكبر، ولهذا تتركز أغلب نصائح الآباء لأطفالهم الكبار بأن يحسنوا التصرف أمام أشقائهم الصغار، ولكن يبدو أن هذا البند الإنسانى والاجتماعى قد فات على السيد جمال مبارك نجل الرئيس الأصغر الذى يلتزم صمت السياسيين الممل منذ عودته من رحلة السودان بعد أن عاش أجواء تلك الكارثة التى شهدتها العاصمة الخرطوم عقب انتهاء مباراة مصر والجزائر يوم الأربعاء الماضى.
السيد جمال مبارك أمين لجنة السياسات كان هناك وشاهد المجزرة ولكنه فيما يبدو استسلم لدبلوماسية السياسيين فجاء موقفه من الأزمة وكأنه لسه خارج من "الفريزر" حالا.. باردا وجامدا وبلا شكل ولا طعم ولا رائحة، ولا يسألنى أحدكم وما دخل جمال مبارك بما حدث للمصريين فى السودان وما يحدث لهم فى الجزائر حتى لا أدعو عليه فى المغربية، لأن السيد أمين لجنة السياسات صدر نفسه مؤخرا متحدثا باسم الحكومة والرئاسة بدليل رحلاته المكوكية فى محافظات مصر وسفرياته المتعددة لواشنطن، ثم أنه يمثل الحزب الوطنى الحاكم ويحق له التدخل فى كل شىء كما يرد علينا رجاله حينما نسألهم بأى صفة يتحرك جمال مبارك داخل أروقة الدولة المصرية.
المهم.. فى الوقت الذى استسلم فيه جمال مبارك إلى نصائح من بجواره بضرورة الهدوء والتزام الصمت على اعتبار أنه شخصية سياسية لها ثقلها ومحسوب عليها أنفاسها، تحرك أخوه الأكبر السيد علاء مبارك بكل تلقائية ونجح من خلال مكالمتين هاتفتين قال فيهما ما قاله عن غضبه من أحداث السودان، وبلطجة الجزائر، وضرورة رد كرامة المصريين أن يكسب ما فشل جمال مبارك خلال سنوات طويلة ماضية فى الحصول عليه.. إعجاب أهل الشارع والدعاء له، لا عليه.
مكالمتان فقط خلال 48 ساعة، مدة كل واحدة فيهما لم تتجاوز 10 دقائق، وتكلفتهما لم تتعد خمس جنيهات على اعتبار أن الأستاذ علاء خط مش كارت، كانت كافية لأن تجعل الابن الأكبر للرئيس مبارك هو حديث الشارع المصرى.. ادخل على كل المنتديات والمواقع ولاحظ كيف تفاعل الجمهور المصرى مع كلمات علاء مبارك واعتبرها نصرا وتعويضا له عن صمت الرموز السياسية فى مصر، انظر لكافة التعليقات على حديثه الذى تحول إلى مقاطع فيديو هى الأكثر انتشارا فى مصر الآن وستدرك كم أن الشعب المصرى غلبان وطيب، وتكفيه الكلمة الحلوة التى يشعر من خلالها أن الناس اللى فوق حاسين بالناس اللى تحت.
صحيح أن وفاة نجل السيد علاء مبارك كانت عامل مساعد فى تقبل هذه الكلمات والاحتفاء بها، بسبب التعاطف الشعبى الجارف الذى حصل عليه الرجل عقب خسارته المؤلمة، ولكن شعور الناس أن هناك أحد من فوق يشاركهم هذا الغضب وهذا الاعتراض على ما حدث من إهدار لكرامتهم جعلهم مدفوعين للتعبير عن ذلك إما بالشكر أو الدعاء أو إلقاء رسائل الإعجاب والمحبة فى طريق علاء مبارك، بل تجرأ بعضهم ودعاه لأن يرشح نفسه للرئاسة.. وهى الأشياء نفسها التى يسعى جمال مبارك للحصول عليها على مدار العشر سنوات الماضية، وأنفق من أجلها جهدا ومالا يكفى لتطوير السكة الحديد أو حتى إعادة بنائها من جديد.. ومع كل ذلك كان مصيره الفشل الذريع، فلا الناس هتفت باسمه، ولا أحد تبرع وقام بالدعاء له مثلما حدث مع علاء مبارك الذى لم يفعل شىء سوى أنه قرر أن ينزل من البرج ويشارك الناس مصيبتهم.. حتى ولو كانت مشاركة كلامية لا أكثر.
ما حدث مع علاء مبارك لا يجب أن يمر على جمال مبارك مرور الكرام إن كان حقا يريد كرسى الرئاسة وبالتالى لا يجب أن يمر من أمام أى متطلع للرئاسة دون أن يستغله ويتعلم منه، أن يتعلم أن أهل المحروسة لا يطلبون الكثير ولا يريدون سوى رجل يشاركهم آلامهم ويشعر بأوجاعهم، ولا يمانع أن ينزل من برجه ليتحدث معهم كما يتحدثون مع بعضهم لا عبر ميكروفونات وخطابات منمقة الكلمات، جافة الأحاسيس، مكررة الأفكار، هذا ما يريده أهل المحروسة، فهل يملك جمال مبارك أن يقدمه لهم؟ أنا عن نفسى لا أعتقد، ولذلك سيظل جمال مبارك حائرا وسيظل يلف ويدور بحثا عن هذا الدعم الشعبى، رغم أن الطريق السهل موجود أمامه ولكنه لم ولن يتعلم أبدا السير فيه.. والجواب بيبان من عنوانه زى مابيقولوا !!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة