أرجو ألا يُنسينا الغضب من العدوان الجزائرى على المصريين فى السودان قضايانا الأكثر إلحاحاً، أقول ذلك ليس بنية المطالبة بقلب صفحة ما حدث فى السودان وعفا الله عما سلف.. لا ، فأنا من أشد المطالبين بمراجعة النفس والآخرين لمعرفة لماذا حدث ما حدث.. وكيف اتسعت المسافة بيننا فى مصر وبين إخواننا العرب للدرجة التى كتب فيها أحد الإخوة الشوام تعليقاً على مقالى "لماذا يكرهوننا" قائلاً: نكره المصرى فى الجنة وفى النار".
مع ذلك أعود وأقول إن غضبنا مما حدث فى السودان ضرورى، لكن مراجعة علاقاتنا العربية ودورنا العربى أكبر من غضبنا، والتفاتنا إلى قضايانا الأكثر إلحاحاً أكبر وأشمل من مراجعة علاقاتنا العربية.
فى هذا السياق، وفى هوجة "لا صوت يعلو على صوت الغضب الانفعالى"، حدث ما اعتبره كارثة على صعيد حرية الرأى والتعبير التى يكفلها الدستور، وأعنى بذلك مصادرة رواية "ميترو" وتغريم مؤلفها مجدى الشافعى وناشرها الناشط السياسى محمد الشرقاوى 5 آلاف جنيه.
تمت مصادرة الرواية وتغريم مؤلفها وناشرها بحكم محكمة جنح قصر النيل التى استندت فى حكمها إلى أن الرواية تتضمن عبارات منافية للآداب العامة.وهنا، لن أعلق على أحكام القضاء، لأن حكم القاضى هو عنوان الحقيقة، ولأننا نبجل قضاءنا المصرى ونضعه فى مكانه السامى اللائق، لكنى أتساءل عمن ذهب برواية أدبية إلى النيابة العامة للتحقيق ، والتى أحالتها هى ومؤلفها وناشرها إلى محكمة جنح عابدين بتهمة إحراز وتوزيع، بقصد الاتجار فى، مطبوعات منافية للآداب العامة.
أيتها النيابة العامة الموقرة.. أيها المبلغون الأفاضل.. أيها المخبرون والمرشدون الأجلاء.. يا رجالات الأمن الساهرين على راحتنا.. الأدب ونقده وسلخه وذبحه وتقطيعه مكانه قاعات الدرس والندوات المتخصصة "فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض" وفى المكتبات وفى ضمائرنا جميعاً ليزيد من قوتنا وتقدمنا، هذه قوتنا الناعمة أجمل وأبرز ما لدينا.. لا تضعفوها.. لا خوف منها إطلاقاً لا على الآداب العامة ولا على الصحة العامة ولا على الذوق العام ولا على البيئة.
رواية طريفة مصورة أقل خطراً بكثير من أنفلونزا الخنازير والسحابة السوداء وأقل تأثيراً بمراحل من أغنية إباحية تُذاع ليل نهار ومن فيلم مسف تافه يدمر مساحة كبيرة من وجدان جيل كامل.
اللهم فاشهد