كلما سمحت لى الظروف فى متابعة برنامج "واحد من الناس" للإعلامى النابه عمرو الليثى، أتأكد من أن قيمة البرامج التليفزيونية لا تقف فقط عند حدود سخونة الحوارات، أو الاكتفاء بعرض مشكلة اجتماعية، وإنما القيمة تأتى من السعى إلى حلها، والوقوف بها على أعتاب المسئولين الذين يغط بعضهم فى نوم عميق، ويتميز"واحد من الناس" بقدرته البالغة على إفاقة المسؤلين بكرابيجه التى تلسع الضمير، ويضربها الليثى بلغته وطريقته المميزة فى التقديم، والتى يظهر فيها حنونا عطوفا على الفقراء، ومتأثرا بأحوالهم مما يغريهم بطرق بابه، وفى المقابل يظهر متجهما وصلبا ومشاكسا أمام أى مسؤل يقصر فى أداء واجبه.
فى كل حلقة يأتى الليثى بظواهر اجتماعية مؤثرة، ومن أبرزها ما قدمه يوم الخميس قبل الماضى حول ما أسماه بـ"طاردات الشوارع"، وهم أسر كاملة تسكن بجوار عمارات سكنية تحت خيمة منصوبة، تداريهم بعض الشىء من نظرات المارين، لكنها لا تحقق لهم أى قدر من الطمأنينة، وداخل كل خيمة تعيش أم مكلومة، لا تغمض عينيها خوفا على صغارها الذين يقضون الليل فى حضنها.
فى حكايات الأمهات معاناة تفطر القلب، معاناة تبدأ من حكاية أب غير مسئول ترك أطفاله وتزوج بأخرى، فكان قدر الأم أن تكون غطاء وسترا لأطفالها، ومن أجل توفير لقمة العيش لصغارها تخرج للبحث عن أى عمل شريف يسترها.
كان عمرو يقترب فى حنان بالغ من كل أم ويسألها، فتجيب الأم ودموعها تسبقها: "أنا عايزة الستر، نفسى فى سكن يسترنى ويستر أطفالى"، تقول الأم كلماتها وأطفالها بجوارها تنطق البراءة من عيونهم، سألهم عمرو عن الحال مع برد الشتاء، وكيف يأكلون، وكيف ينفقون، وعن مساعدة الآخرين.. وعن.. وعن.. وعن...
كانت الدموع هى الإجابة الفصحى وسيدة الموقف، وكلمات قليلة تنم عن أمل فى تعليم الأطفال ربما يكونوا عوضا لحياة فى المستقبل بعد معاناة بالغة فى الحاضر...
وبعد كل ذلك.. ماذا ينتظر المسئولون من أطفال ربما يكونون بارود نار ينفجر فى المستقبل انتقاما من كل الذين سلبوهم الحق فى حياة كريمة؟
لماذا لا يقوم الذين أغرقونا فى حديث الملايين التى كانت ستوجه إلى منتخبنا الوطنى فى حالة الفوز على الجزائر، بتوجيهها إلى مثل هذا الحالات؟
وأخيرا.. تحية إلى عمرو الليثى وبرنامجه الذى يستحق الفوز بجائزة اليونسكو التى تم ترشيحه لها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة