هل يمكن أن أصف ما جرى فى الأيام العشرة التالية لمباراة مصر مع الجزائر فى السودان بأنه التعريف الحقيقى لكلمة ذهول والتفسير الواقعى لكلمة عبث؟ وأنه على قدر ما سببته الأزمة الأخيرة من ألم ووجع فى نفوس الكثير من المصريين، وعلى قدر ما نشرته من عبث وما كشفته من وجوه، نجحت تلك الأيام الصعبة وبجدارة فى إعادة اكتشاف الكثير من الأشياء التى كنا نظن أننا فقدناها للأبد، فقد وضعت الأحداث الأخيرة الجمهور المصرى أمام عدة حقائق كثير منها للأسف محزن وبائس، وبعضها يصنع الفرحة التى ربما يكون أفضلها هو أن فكرة التشكيك فى حب هذا الشعب لبلده أصبحت أمرا لم يعد مقبولا أبدا سواء كان من عدو أو حتى حبيب، بينما أسوأها يتلخص فى أن الكثير من المواطنين السائرين فى شوارع مصر مازال عجينة طرية يسهل على الإعلام الموجه والفوضى التأثير فيها والتحكم بها.
فى الأزمة التى عشنا تفاصيلها خلال الأيام الماضية كان من حق المواطن المصرى أن يغضب وأن يثور وأن يحزن لكرامته الموجوعة بعد أن شاهد إخوانه يتعرضون للإهانة والضرب فى الجزائر والسودان، ولكن ليس من حق مجموعة "البدل والكرافتات" التى تظهر على الشاشة مؤخرا للحديث فى أى شىء وكل شىء بعد زمن طويل لم يرتدوا فيه سوى الفانلة والشورت.. نعم أتكلم عن كباتن الكرة الذين حولتهم ظروف السوق ومنظومة الإعلانات إلى مذيعين، فلم يكتفوا بتحليلاتهم الساذجة للمباريات، وتحويل الفضائيات إلى ساحات ملاكى لخدمة مصالحهم، وقرروا الإفتاء فى كل المجالات.
وفى أزمة الجزائر تفنن عباقرة زمانهم الكباتن خالد الغندور ومدحت شلبى ومصطفى عبده وشوبير والجهبذ محمود معروف فى إطلاق فتاوى وتصريحات لا معنى لها سوى أن هؤلاء السادة آخرهم تحليل مباريات الدورة الرمضانية، أما ما يخص شئون السياسة وعلاقات الدولة فلا يفضل أن يتكلم أولئك الذين يفكون الخط بصعوبة، ويقف تفكيرهم عند طريقة فلفلة الشعر كما هو الحال مع خالد الغندور.
صحيح أن الإعلام الجزائرى كان مستفزا، وصحيح أن صحف الجزائر كانت قليلة الأدب، ولكننا فى مصر تعلمنا أن نخوض معاركنا بأدب، لا أن نستخدم أسلوب الردح وشراشيح المناطق الشعبية كما فعل السادة ملاك البرامج الرياضية فى حالة مزايدة مثيرة للقىء والاشمئزاز، ويمكنك أن تعتبرها سببا مباشرا لما حدث فى السودان والجزائر والقاهرة.
طبعا لا لوم على السادة السابق ذكر أسمائهم فيما فعلوه، لأنه لا أحد يلوم على ضعاف العقول حينما يفشلون فى معرفة الفرق بين الألف وكوز الذرة، اللوم كله على السادة الذين منحوهم حق الظهور العلنى لإلقاء ما فى عقولهم الخالية أساسا على مسامع جموع الشعب، فلا أعرف كيف منحت فضائية دريم حق الحديث عن الأخلاق والروح الرياضية للاعب كان الجمهور المصرى يشاهده فى الملعب متحرشا بزملائه مشتبكا مع الحكام، وله فى كل مباراة مشكلة، ولا أعرف كيف سمحت شاشة مودرن لمعلق مباريات ومقدم برامج مسابقات أن يتكلم باسم مصر ويتحدث عن الوطنية والكرامة.
من حقنا- يا سادة- أن نطالب الجزائر بكل أنواع الاعتذار ومن حقنا أن نطالب بجلد سفيرهم غريب الأطوار فى ميدان التحرير، ومن حقنا أن نطالب بوتفليقة بأن يأتى للقاهرة ويبوس رأس كل مصر تعرض للإهانة فى السودان على يد بلطجيته، ومن حقنا أن طلب من قيادتنا السياسية أن تقرص ودن الإخوة فى الجزائر حتى يعودوا إلى رشدهم، ولكن ليس من شيم الكبار- اللى هم إحنا- أن نشارك فى تلك المسرحية العبثية التى يديرها ويخرجها مجموعة من التافهين.
عموما أرجو من كل مصر غاضب ألا ينسى أن يسأل الحكومة واتحاد الكرة وأجهزة الأمن ورئيس الجمهورية كيف ألقوا بمشجعين مصر فى قلب النار دون تنظيم وحماية؟ وكيف فشلت وزارة الخارجية فى حماية المصريين فى الجزائر وتركتهم فريسة سهلة للمتعصبين والرعاع هناك؟ وكيف ستتم محاسبة سفيرنا النائم على نفسه فى السودان بعد أن أثبت كل الشهود أن سيادته كان أجبن من أن يواجه ما حدث للمصريين هناك؟
محمد الدسوقى رشدى
ولماذا لا نحاسب شلبى والغندور ومعروف بتهمة البلطجة الإعلامية؟
الإثنين، 23 نوفمبر 2009 11:58 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة