قبل أن نندم لابد من إقامة دعوى قضائية لمواجهة ما حدث لنا فى السودان، وذلك بدلا من أن نقف كالصريع الذى لا يجد ما يدافع به عن نفسه، فلابد أن نتجلد بالقانون الذى يوقف حالة الاحتقان والغليان حتى لو حكموا لنا بغرامة 1 فرنك فقط.
وحتى نحقق ذلك لابد أن نسأل أنفسنا، كيف يمكن أن نحصل على حقوقنا من خلال قوانين الفيفا ومواثيقه والمحامى الذى أوكلنا له الأمر سويسرى، هل يمكن أن يشعر بما نشعر به من إهانة وغضب، هل يمكن أن يخاف علينا أكثر من أنفسنا؟
الإجابة بالقطع هى لا.
كان هناك أعرابى ولى بعض النواحى فجمع اليهود فى عمله وسألهم عن المسيح فقالوا: قتلناه وصلبناه، فقال: لهم هل أديتم ديته؟، قالوا: لا. قال فو الله لا تخرجوا أو تؤدوها، فلم يبرحوا حتى أدوها.
كان هذا تلخيص للواقعة التى حدثت التى من الممكن أن تحدث مستقبلاَ معنا فى إطار رياضى أخشى أن ينتقل لأطر أبعد وأخطر. وانتقل لحديث القانون الذى دائماً له قول فصل، فهناك قوانين تتمتع بخاصية إقليمية على أرض الوطن ومنها قوانين ولوائح تمتد لخارج مبدأ الإقليمية ويطلق عليها قوانين التنظيمات الدولية، ومنها منظمة الفيفا العالمية المختصة بتنظيم لعبة كرة القدم التى يلتف حولها العالم أجمع. ولأهمية الموضوع نلفت النظر أن الفيفا تنظم لوائح وقوانين تخضع لها 208 دولة ويستفيد ماديا من هذه المنظمة حوالى 260 مليون شخص لكون الفيفا أصبحت منظومة اجتماعية وأخلاقية وسياسية بين الشعوب.
وحديث القانون هنا تعليقاً على الأحداث التى تمت بعد مباراة مصر والجزائر بالسودان وليس تعليقا على فنيات اللعبة. فالمباراة انتهت بفوز الفريق الجزائرى، وليس حديثنا القانونى عن إقامة دعوى لإلغاء نتيجة المباراة بقصد وصولنا لنهائيات كأس العالم، وإنما هى دعوى لمحاكمة كل متعصب صاحب فكر العنف والكراهية والتعصب. السؤال الذى يطرح نفسه الآن هل نظمت قوانين الفيفا وعرفت جرائم للأحداث التى تقع بعد وأثناء وبعد المباريات الدولية وأفردت لها عقوبات؟
الإجابة هى نعم. ونعم هنا طبقا للقانون المنظم للفيفا ووثيقة وقانون ولجنة الأخلاق التى تضع معايير منظمة لذلك. فمن استعراض قوانين الفيفا نجد أن المادة 15 – 18 حددت الكرامة الرياضية وعرفتها والمادة 20 عرفت قوانين اللعبة والمادة 83/3 عرفت المباراة الدولية.
من هذه المادة نبدأ حديث القانون فلقد عرفت المباراة الدولية بأنها تقام بين فريقين لدولتين مستقلتين فهل ما حدث فى السودان كان مبارة بين فريقى كرة قدم أم معركة على أرض الملعب؟ وتحدثت قوانين الفيفا عن واجبات الدول الأعضاء وعن وجوب توفير الحماية اللازمة من جانب الدولة المستضيفة، خاصة فى المباريات الهامة والنهائية والفاصلة، فهل حدثت تلك الحماية التى تشمل اللاعبين والجمهور؟. ونصت المادة 74 على أن للفيفا أن تأخذ رد فعل فورى لأى مغامرة غير طبيعية أو التمييز العنصرى أو العنف أو الكراهية، وهى ممنوعة ومحظورة ومعرض صاحبها لعقوبات.
فهل كانت تلك المباراة وما قبلها وبعدها ينشر الحب والتقارب بين الشعوب وتوحيد لغة التفاهم واللعب النظيف أم أن ما حدث هو نشر للتمييز والكراهية والعنف بين الشعوب؟
أن المادة 67 لها أهمية قصوى وهى قلب هذا الموضوع لأنها تحدثت عن التزامات المشجعين وأفعالهم وورد فيها أن الى فعل من الجمهور أو شغب داخل الإستاد أو خارجه أو فى الطرق أو قذف قطع مؤذية أو استخدام شعارات سياسية ودينية يعاقب جمهور الدولة المرتكبة، وبالذات فى المسابقات النهائية.
ونصت قوانين الفيفا على العقوبات لتلك الأفعال وشرحت المادة 58 أن: نطاق التطبيق للأشخاص الاعتبارية وللأفراد والأشخاص وللمسئولين وللجماعات المنظمة.
ونص الكود التأديبى للفيفا على عقوبات مالية لهذه الانتهاكات ونظم العقوبات بداية من اللوم، وقف المباراة أو إلغاء نتيجتها، اعتباره مهزوما وتوقيع غرامة، خصم من نقطة إلى 6 نقاط، إلغاء التأهل.
وأخيرا نظمت لوائح الفيفا كيفية إقامة الدعوى بعد الاحتجاج الرسمى بمذكرة مكتوبة شارحة شاملة كافة الأدلة والبراهين، ومنها التصوير بالكاميرات الخاصة، وأجهزة الموبايل، وأخذت دولة بريطانيا بتلك الأدلة بعدما أدخلت تعديلات على قوانينها من أجل منع العنف فى الملاعب وضبط المخالفين ووقف أعمال الشغب، وتعمل الفيفا وأجهزتها ومحققيها بذات الآلية، ومنها أيضا الأخذ بتحقيقات الدول المحايدة من محاضر وتقارير والمقصود هنا دولة السودان المقامة على أرضها المباراة، وأذكر بأن قلب هذه الدعوى من التقارير والأدلة التى ستقدم من السودان.
إن الهام فى هذه الدعوى وإن وصلت للمحكمة الرياضية الدولية أن تعيد تقييم ما حدث وتلقى بالعقوبة المناسبة على من أجرم فى حق الشعوب وفى حق الآمنين، وأن يعاقب من نشر العنف والكراهية وابتعد عن جميع مظاهر التقريب ولجأ لسياسية التبعيد والتفريق، وهو ما يخالف الغرض من إقامة كأس العالم. إن هذه الدعوى ليس الغرض منها وصول مصر لنهائيات كأس العالم، فلن يرضى مصرى على وصولنا بحكم محكمة ولكن لإظهار العنف والتعصب من جانب بعض الأفراد والمسئولين والإعلاميين والصحفيين والسياسيين.
حديث القانون يوقف حالة الاحتقان والغليان حتى وإن كان حكماً بغرامة 1 فرنك.
*رئيس محكمة بجنوب القاهرة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة