ربما تكون هناك أسباب لبعض السخونة الكروية بين الجمهور المصرى والجزائرى، وهى أسباب لا ترقى لإشعال حريق. كما حدث بسبب الحمقى والأغبياء، هنا وهناك. لكن ما الأسباب التى يمكن أن تقود إلى التوتر بين مصر والسوادن الشقيق؟. لا يوجد، ولا يجب ويفترض ألا يكون، لكن بسبب الحماقة غير المسبوقة لبعض الإعلاميين عندنا، يشعر أشقاؤنا فى السودان بخيبة أمل كبيرة فى أشقاء لم يراع بعضهم أصول الأخوة والجيرة وشراكة الماء والدم.
ففى أعقاب مباراة مصر والجزائر الفاصلة فى السودان سارع بعض الإعلاميين، بل ووزير الإعلام أنس الفقى بإلقاء اللوم على السودان والأمن السودانى، الذى يرى أصحابنا أنه ربما قصَّـر، وطبعا الكلام كان مغلفا بإشارات عن وجود تواطؤ. الأمر الذى أغضب السوادنيين الذين توقعوا "شكرا" فإذا بهم يتلقون لوما. ولم يراع حمقانا أن السودان كان فى موقف دقيق، لأنه كان عليه خلال ثلاثة أيام أن يجهز ويستعد لاستقبال فريقين بينهما توتر بجمهورهما ومشاكلهما. وأن يقف على الحياد. وحتى لو كان بعض السودانيين شجعوا الجزائر، فكثير منهم شجعوا مصر ورفعوا أعلامها.
وكما تسبب بعض الإعلاميين من مصر والجزائر بحمقهم فى إشعال النار، فقد لعبوا اللعبة نفسها مع السوادنيين. ينشر صحفى من الجزائر تصريحا منسوبا لمسئول سودانى أو مواطنين يقولون إنهم يؤيدون الجزائر، فيسارع إعلامى مصرى لينشر تصريح مضاد.
والحقيقة أن السوادنيين كانوا يعرفون أن موقفهم حساس وتعاملوا بدبلوماسية. ولا يمكن اتهام الأمن السودانى بالتقصير، لأن هؤلاء الجنود والضباط ظلوا لثلاثة أيام بلا نوم ولا راحة، لكن بعد انتهاء المباراة فوجئوا بالاتهامات غير المسئولة من قبل مسئولين وإعلاميين غير مسئولين، وهم أنفسهم الذين تسببوا من البداية فى إفساد الأمر والوصول به إلى أن يكون حربا. وطبعا بعض الأخوة الجزائريين واصلوا التصعيد وأعلنوا تقديم الشكر للسودان، وهو أمر لا يجب أن يثير غضب المصريين، ويفترض أن الموضوع انتهى.
المهم.. أن السودان تحديدا لا يستحق هذه الطريقة غير اللائقة التى تعامل بها البعض منا، الذين أخطئوا فى ترتيبات وخطوات وتفاصيل كثيرة، وحاولوا تعليق أسباب فشلهم فى شماعات الآخرين. الطبيعى أن الاحتقان الكروى عادة يأخذ من يوم إلى ثلاثة أيام، مثل الأنفلونزا، لكنه استمر بسبب بعض المصريين والجزائريين إلى ما يشبه الطاعون، وتطور إلى سباب وشتائم، ومعايرات تجاوزت كل الحدود.
لكن بعض كبار صغار الحمقى عندنا يدفعونا نحو خسارة كل المباريات، ليس فى كرة القدم، لكننا نخسر أشقاءنا فى السودان، وبعض حمقانا الذين يمارسون سياسة الدبة التى تقتل صاحبها. وإذا كان الحمقى والتافهون فى مصر والجزائر أشعلوا نار الفتنة وحولوا مباراة فى كرة القدم إلى حرب. فإن التفاهة متواصلة بلا حسابات ولا تقديرات. لأنها السودان التى لا نحتاج أن نتحدث عنها، ويكفى أننا نتقاسم معها قطرة الماء، وتربطنا بأهلنا هناك علاقات رحم ودم ونيل.
الأشقاء فى السودان غاضبون، لأن التصريحات غير المسئولة تجاوزت عتاب الأشقاء إلى اتهامات وتصريحات متجاوزة فى حقهم. وكل هذا بسبب مباراة، من الأفضل أن نخسرها بدلا من أن نخسر صلة الماء مع أشقائنا. وتزدحم المنتديات السودانية والصحف بالكثير من الغضب تجاه الأخ الشمالى، لأن تصريحات من وزير الإعلام وبعض أعلاميينا أحيت لديهم الكثير من المشاعر السلبية تجاه أشقائهم المصريين الذين يراهم السودانيون جاهلين بما فى السودان من تطورات، ويكاد المصريون لا يعلمون شيئا عن السودان غير أن النيل يمر بهم، لا يعرفون عن السودان شيئا، ولا يفكروا فى التعرف عليه والتعامل معه بندية واحترام. ونحن نعلم أن بعض الجهات فى الدولة شعرت بالخطأ الذى ارتكبه الهواة فى حق السودان. وتسعى لإزالة تاثيراته، لكن يفترض أن تكون هناك مبادرات شعبية تتجه نحو تصفية الأجواء مع السودان، وأيضا مع الجزائر.
لقد تعامل وزير الإعلام بطريقة غير لائقة وأطلق تصريحات متشنجة تجاه السودان، ولعل سفر الوزيران أحمد أبو الغيط وعمر سليمان إلى الخرطوم كان لعلاج آثار تصريحات أنس الفقى، حيث حملا شكرا من مصر للرئيس السودانى على جهدهم فى تامين المباراة والجمهور. والسودان نفسه يسعى لتقديم مبادرات لتهيئة الأجواء بين مصر والجزائر. وكله أمر يستحق الشكر. ونرجو أن تنجح مساعى الوزيرين فى علاج تأثيرات الفقى التى كانت تعليماته وسياساته سببا فى التصعيد وتجاوز السقف فى الخلاف مع الجزائر.
المفترض أن تكون العلاقة بين مصر والسودان أكبر من مباراة يستضيفها أو مشجعين يتشاجرون، ربما كان ينتظر السودانيون ألا يروا المصريين يسافرون إلى السودان ليتعرفوا أكثر، ويقتربوا أكثر، السودان الآن محط أنظار الكثير من المستثمرين الأجانب، بينما العرب عموما والمصريون خصوصا بعيدون. وربما يتوقع السودانيون من الأشقاء أن يغيروا تصوراتهم عن أشقائهم، وأن يتعامل الإعلام المصرى مع السودان بقيمته الحقيقية، فالسودانيون الذين ينظرون إلى مصر بود واحترام يفترض أن يتلقوا الود والاحترام نفسيهما، لكنهم بدلا من ذلك يجدون أنفسهم بين شقى رحى وأطرافا فى أزمة لم يشاركوا فيها، ووجدوا أنفسهم فى قلبها.
المصريون اختاروا السودان قبل القرعة لأنها هى مصر. ولا يجوز أن يترك الأمر لبعض الحمقى والأغبياء ليفسدوا تلك العلاقة الأزلية، لكن واضح أن سوق الغباء الرائج الذى أشعل أزمة مع الأخوة الجزائريين يكاد يدفعنا إلى أزمة مع الأخوة السوادنيين. وتكون الخسارة أكبر من مباراة، وأبعد من فاصلة.