يتكلم الرئيس مبارك دائما، ولا يحرمنا من خطاباته التى يقرأها من الورقة، يتكلم ولا يبخل علينا بظهور يصحبه خطاب يشبه إلى حد كبير خطاب العام الذى سبقه.. وإن لم يكن، فخطاب العام قبل الماضى، الرئيس يتكلم ولكنه لا يعترف، الرئيس يخطب ولكنه لم يجلس يوما ليحكى معنا على المصطبة- كما ورد فى أوبريت اخترناه على سبيل الفخر- أو كما حكى وكتب ونشر الرئيس أنور السادات عن طفولته التى نعرف تفاصيلها الدقيقة وفقره، الذى عشنا تفاصيل معاناة السادات معه لحظة بلحظة بينما لا نعرف عن الرئيس مبارك سوى أنه جاء من كفر مصيلحة إلى الكلية الجوية ووقت مفاجأة التعديل الدستورى منذ كام سنة عرفنا أنه كان طالبا فى المساعى المشكورة.
الناس تريد أن تحصل من الرئيس على اعتراف بخصوص أى شئ، اعتراف يمنحهم إحساس المشاركة أو على الأقل يثبت لهم أن حقهم فى المعرفة والاستفسار مازال مطروحا.. أى اعتراف من جانب السيد الرئيس سيستقبله الناس باهتمام طالما أنه بعيد عن الإجابات النموذجية التى يرددها فى كل مناسبة..الناس تريد من الرئيس أن يشرح لهم كيف تدار دولتهم من مكتب واحد فى قصر العروبة، وتبحث عن تبريرات لكل تلك الأشياء المتناقضة التى تحدث فى مصر.. ومصر فقط.
الرئيس يقول دائما إنه مشغول، وأن وقته لا يسمح له بالقراءة ولذلك يكتفى بما يرفع إليه من تقارير، وهذا يعنى أنه لا يدون، فطالما لم يجد وقتا ليقرأ فلن يجد وقتا ليكتب، فالرئيس مبارك ليس أبدا مثل الزعيمان الراحلان وعلاقته بالقراء والكتابة لن تكون مثل عبد الناصر الذى كتب الرواية والذى شهدت أوراق استعارات الكتب أنه قارئ نهم وهو ما انعكس على قيادته للبلاد وانعكس أيضا على خطاباته التى كانت تلهب حماس الجماهير التى تنتظر كلمة عبد الناصر انتظار العيد رغم أنه لم يكن يستعمل الورقة مثل السادة المسئولين الآن.
السادات أيضا كان يكتب، بل كان صحفيا كتب عن بداياته وسجل يومياته مع السياسة والحكم فى سيرته الذاتية التى حملت إسم "البحث عن الذات" ولم نسمع يوما أن أحدا اتهم السادات بأن صحفيا يكتب له، السادات وعبد الناصر كتبا لأنهما كانا يقرآن والرئيس مبارك يقول إنه لا يقرأ، والسادات وعبد الناصر اعترفا ببعض الأخطاء لأنهما أحيانا ما حاسبا نفسيهما أو تركا الفرصة ليحاسبهما أحد .. أما الرئيس مبارك فلن يعترف لأنه لم يترك الفرصة لكى يحاسبه أحد ومن لا يعترف لن يكتب مذكراته، ولكنها قد تكتب له كما يريد.
ربما ليس الآن!.. ربما لن يكتب الرئيس سيرته الذاتية الآن وهو فى الحكم لأن مهام الرئاسة تمنعه أو لأن صحفيى الحكومة يقومون بهذا الواجب وزيادة، فلماذا يكتب الرئيس سيرته الذاتية الأن طالما يجدها فى الأهرام والأخبار والجمهورية وروز اليوسف بيضاء تسر الناظرين؟
الرئيس لن يكتب مذكراته لأن كتابة السيرة الذاتية أمر فى غاية الخطورة لا يستطيع صاحبها أن يخفى تفاصيل حقيقية طول الوقت، لابد لخطأ ما أن يلاحقه فى زحمة الصفحات وتفاصيل التنسيق، ويعثر عليها قارئ متميز فيكشف به نهاية الخيط وكل ما هو مربوط به من عوالق.. كل السير الذاتية بها أطراف خيوط ولكنها تحتاج إلى مهرة فى استخلاص النتائج، الكثيرون فى مصر كتبوا سيرتهم الذاتية وكانوا أشد الناس حرصا على أن تظهر صفحتهم بيضاء فسقطوا فى شرك السهو والنسيان والاعتزاز بالنفس فى بعض الأحيان فخرجت المذكرات الشخصية لتعيد ترميم وبناء أجزاء من تاريخ مصر.. فهل يفعلها الرئيس ويقرر أن يتفرغ لكتابة مذكراته بعد أن يترك الحكم كما يفعل معظم رؤساء العالم الديمقراطى.. هكذا فعل كلينتون وهكذا يفعل شيراك الآن؟ أتمنى أن يفعلها لأنه بدون تلك الاعترافات ستغيب عن مصر كثير من التفاصيل، التى ربما كانت سترشدنا للكثير من الأمراض وتسهل الطريق على القادمون فى وصف العلاج.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة