كلما كتبت عن الكوارث والأخطاء التى تملأ حياتنا، يبادرنى أحدهم بهجمة صوتية قوية مع تأكيد كامل وشامل بأننى ومن مثلى متشائمون بالفطرة.. وأخيرا قررت أرد وبقوة فى السطور التالية..
قال إيه.. نحن نقتل الأمل فى نفوس الناس، ونصبغ المستقبل باللون الأسود، وحاجات تانية كتيير مضافًا إليها الكثير من الكلام عن نفوسنا المريضة باليأس وإصابة عيوننا برمد تشاؤمى وقلوبنا بسهم من سهام الكفار برحمة ربنا.
شوف يا سيدى وبمنتهى الاختصار.. نحن لا نزرع شوك اليأس، ولا نرسم لوحة المستقبل بالأسود، نحن فقط نرسم ما هو موجود، وفتش فى كراسات الرسم الخاصة بنا ستجد بها الكثير من الصفحات الملونة، وفى الجيب الخلفى لكل واحد منا قلمين ألوان لزوم صناعة مستقبل ملون و60 بوصة كمان، طالما أن الناس ترتاح للمستقبل الذى يبدو مشرقا على صفحات الورق بينما هو أسود كما لون الأسفلت المكسر الذى تفشل الدولة فى إصلاح حاله ومليان مطبات صنعنا بعضها بأنفسنا وأهدتنا الحكومة بقيتها فوق البيعة.
إدينى حقنة أمل.. حاضر يا عزيزى القارئ المزنوق فى صفحات ملونة لأن نفسيتك تعبت من صفحات الحقيقة السودة، سوف أعطيك حقنة ملونة وسوف أثبت لك أن المستقبل أكثر إشراقا مما تعتقد ومما يعتقد رجال الحكومة أنفسهم.
خد شوية أمل.. محمد طفل المنصورة (نموذج لقصص التعذيب الشهيرة فى أقسام الشرطة التى حدثت قبل عامين) الذى لم يكمل عامه الثالث عشر ترجمت الشرطة المصرية المستقبل الملون على كل قطعة فى جسده، وزرعت عصيان الأمل فى أماكنه الحساسة، ومنحته أعلى شهادة تخرج تضمن له مستقبلا مفتوحا بلا ضغوط حتى أنها استعجلت على تخرجه، فدفنته فى قبره دون أن يصلى عليه أحد..ولا حتى أمه.
ولكى تستكمل هذه الصورة الملونة اتفضل.. الطفل الذى مات من شدة تعذيب الشرطة وعرضت الأم فى مشهد مأساوى لحم جسده المحروق والأماكن المخرومة والمفتوحة دون أن يتدفق منها الدم لأن الدم كان خلاص خلص، لم يهز شعرة واحدة فى رأس أى محترم فينا، ولا حتى دفعنا لأن نقف ووشنا فى الحيط من شدة الكسوف لأننا لم نقدر على فعل شىء سوى الدعاء بكلمات غير تامة، اكتشفنا أن النساء سبقتنا وفعلتها من قبل.
عاوز نظرة تفاؤلية.. دعنا نحصل عليها من كادر آخر لأن التكرار ممل رغم أنه بيعلم الشطار، الحكومة باعت بنك الإسكندرية، وباعت نصف شركات القطاع العام برخص التراب، ومن قبلها باعت مستقبل البلد لمجموعة من المستثمرين ورجال الأعمال.. والآن أنت لا تملك شيئا فى المستقبل.
أكيد لسه عاوز أمل.. ابحث عنه فى كرامة المصريين المهدرة فى الخارج وفى أزمة العطش وفى نسبة الفقر والبطالة، وفى المعتقلات، وفى الذين لا يريدون أن ينزلوا من على الركوبة التى انحنت مرة ولا تريد أن تنتصب قامتها وتمشى.. ابحث يا سيدى عن الأمل الذى تريده، واتركنا نحن نتصرف مع اليأس لعلنا نجبره على الرحيل من كثرة ما نكتب عنه، أو نجد خرم إبرة فاضى فى لوحة المستقبل السوداء من كثرة ما ننظر إليها، فنسارع باستخدام الأقلام الملونة.. ونلون الواقع بدلا من أن نفعل مثلك ونلون الورق بس!
محمد الدسوقى رشدى
المتفائلون بيدهنوا مستقبل مصر بالألوان.. مين وراهم؟
الإثنين، 30 نوفمبر 2009 12:24 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة