إن بعض ردود الفعل والتعليقات على ما كتبته فى نفس هذا المكان الأسبوع الماضى هو ما أخرج هذه السطور. نبهت فى المقال السابق إلى خطورة أول درس فى منهج اللغة العربية للصف الخامس الابتدائى، وهو حول تلميذ مصرى يشعر بالضيق والملل فى أول يوم دراسى لأنه لم يسمع من مدرسيه المصريين أى مفيد إلا كلمات الترحيب المتكررة، ويشتاق إلى اليوم الدراسى الرائع الملىء بالأنشطة التى استمتع بها فى عامه الماضى عندما كان يعيش مع أسرته فى دولة أجنبية!
اختلفت الزوايا فى ما سمعته وقرأته من ردود فعل ولكن جمَعها الاستياء من رسالة هذا الدرس. وهنا أشير إلى أن غَرس مفهوم احتقار الوطن والملل مما به فى نفوس جيل كامل لا تبرره حقيقة أن وضع مصر الحالى متأخر ومترد، ثانياً: إن حب الوطن والانتماء له والرغبة فى إصلاحه هى معان تحتاج لمن يغرسها ويرويها فى نفوس الصغار، إن لم يكن بواقع الحاضر، فبالتفتيش فى الماضى أو حتى باقتباس المعانى من قصص خيالية. فسوبرمان الذى يحارب للحق والخير ونصرة الضعيف يجعل كل طفل أمريكى يفتخر بأنه ولد فى هذا البلد حتى لو عَلِم بعد سنوات أن قاذورات جوانتانامو وأبوغريب كتب عليها «صنع فى أمريكا». هذه الاستراتيجية الثابتة فى تربية الطفل الأمريكى بأن يكون واثقاً بنفسه ووطنه وحقه ربّت أمثال أوباما كما ربت أمثال بوش، مهما تباينوا فكلهم لديهم رغبة فى التغيير وثقة فى حقهم فى تحقيقه. من هنا فإن حب الوطن هو مُحرك رئيسى لجزء كبير من الواقع.. لماذا نثور ونغضب ونتألم ونسخر من أحوالنا وتقصير حكومتنا؟ لماذا تنهال المداخلات التليفونية على الفضائيات؟ فتسمع مَن ينتقد ومَن يقترح حلولا ومَن يعلو صوته من شدة الغضب ومَن يصرخ مطالباً بالحريات أو «حالماً» بتداول السلطة. لدى اعتقاد راسخ، ويحلو لى ألا أتنازل عنه، أن كل هذه الانفعالات المختلفة ليست نابعة فقط من مرارة المعاناة اليومية فى هذا البلد ولكنها نابعة فى الأساس من حب هذا البلد حباً جماً. مَن لم يقفز منا فرحاًً وفخراً فى أكتوبر 73 ومَن لم يعش شغف الانتظار كلَ شهر ليستمع إلى كوكب الشرق يغدو صوتها من المحيط إلى الخليج فيفخر بأنه يحمل نفس جنسيتها، مَن لم ينشأ فى ذاك الواقع المصرى وحَب مصر لما عاشه بها، فقد تربى على الأقل على معانى حبها والانتماء لأرضها ونيلها وأهلها.. أجيال تحب مصر، وكما تضحك لفرحها تغضب على كل ما يفسد بها فتضيق نفسُها فتُستفز، فتَنتقد، وترفض، وتصرخ، وتحلم بالتغيير وتسعى له، فتزعج حكوماتها. أما جيل لايشعر بهذا الحب لمصر، فهو جيل لا يبالى كثيراً بحالها، لا يَغضب ولايُغضب، لا يُستفز ولا يَستفز.. جيل لا به ولا عليه.. يُريح ويستريح. إما أن هناك استراتيجية لخلق هذا الجيل أو أنه قد يُخلق «شيطانيا» وسط حشائش الجهل والإهمال وغياب الرقابة والمحاسبة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة