نغضب من المتطرفين وأصحاب تلك الألسنة التى لا تعرف سوى كلمة.. حرام .. حرام، ونشكو من التيار الوهابى الذى بدأ يغزو العقول، ونخشى على مستقبل مصر من تأثيره.. وننشغل كثيرا بمتابعة تطورات التيارات الإسلامية، غافلين عن تيار أكثر تطرفا وعنصرية يقوده أشخاص مصابون بفوبيا حادة من كل ماهو إسلامى.
والمؤسف فى هذا الأمر أن العدد الأكبر من قيادات هذا التيار فى مصر إما مسئولون مهمون فى الدولة أو مفكرون ومثقفون من الذين يفخرون بتناولهم ملعقة حرية على غيار الريق كل صباح، كل هؤلاء الذين يهاجمون التيارات الإسلامية بمناسبة وبدون مناسبة، ويحذرون من خطورة مشايخ الفضائيات وفتواهم حتى وإن كانت صحيحة، هم فى الأصل أكثر تطرفا من شيوخ السعودية وأكثر خطورة من دعاة الفضائيات الجدد، أو على الأقل هم يسكنون معهم فى نفس الخندق.. خندق العقول التى تفكر على موجة واحدة فقط ..إما الحجاب والنقاب وإلا النار والهلاك كما يقول المشايخ، ولا للحجاب والنقاب والاحشتام وإلا تأخرنا وتخلفنا..
لا أحد يفكر فى تلك المنطقة الوسطى أبدا، لا أحد يفكر فى الكيفية التى نبنى بها تلك الأمة الوسطية التى بشرنا بها القرآن ودعا إليها رسولنا الكريم، ففى الوقت الذى نسعى فيه لإقامة أسوار الاعتدال لتحمينا من التيار المتطرف الحار القادم من بلدان بن لادن، وفى الوقت الذى نتكلم فيها عن دولة مدنية وليبرالية مازال السادة الوزراء والمسئولون يفكرون بطريقة عصور الجاهلية، فيخرج علينا هانى هلال وزير التعليم العالى بفتوى تحريم النقاب وكأن الوحى قد نزل على رأسه التى فشلت حتى الآن فى ترتيب نظامنا التعليمى الفاشل، ويأتى من بعده الرئيس الجديد لاتحاد الإذاعة والتلفزيون أسامة الشيخ ليلقى بفتوى أخرى خلاصتها أن التلفزيون المصرى لا يرحب بالحجاب ولا بالمحجبات، ليبشرنا بعصر جديد من العنصرية بدلا من أن يعدنا بتطوير هذا القطاع الإعلامى الحكومى المترهل، لدرجة أن فضائيات مصرية لم يتعدى وجودها سنتين أصبحت أكثر تأثيرا من شاشات ماسبيرو وإذاعاته.
وصف التصريح بالعنصرية ليس مبالغة، إذا اعتبرنا أنه سيسرق حق نصف بنات مصر منحهن الدستور حرية اختيار العقيدة والملبس، ولكن الأمر المبالغ فيه هو هذا الإصرار الماسبيرى- نسبة لماسبيرو وأهلها- على منع ظهور المحجبات على الشاشة رغم أن التجربة أثبتت أنه لا فرق لمذيعة عن مذيعة إلا بالعقل والقدرة على مواجهة الكاميرا، وتلك صفات لا تملك واحدة من مذيعات ماسبيرو أيا منها، بدليل أن كل عمليات الشد والتجميل وزيادة مساحة العرى الجسدى التى أجرتها مذيعات ماسبيرو بالتزامن مع تطوير الشاشة لم تفلح مثلا فى أن تخرج إحداهن لتتفوق على دعاء فاروق أو دعاء عامر مذيعتى قناة الحياة، أو الأشهر منى الشاذلى التى امتلكت الشاشة باحتشام وهدوء المرأة المصرية العادية.
خطورة الكلام عن منع المذيعات المحجبات لا تكمن فقط فى سرقة حقوق المحجبات، بل فى تلك الشرارة التى ستشعل نار معركة جديدة حول الحجاب تشغلنا عن الكثير من الكوارث التى تعيشها البلد، لأنه ومن المؤكد ستعلو نغمة مضادة فى كل الفضائيات الدينية حول الهجوم على الإسلام والمؤامرة الكونية على المحجبات والمنقبات ولن يستطيع أحد أن يسد تلك الفجوة التى تصنعها تلك المعارك الوهمية بين فئات الشعب المختلفة.. ووقتها لن ينفع البلد حجاب المحجبة ولا شعر غير المحجبة، لأن الفوضى لا تفرق ولا تميز ولا تختار مثلما نفعل نحن.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة