فى الوقت الذى كانت إسرائيل قد بدأت تطمئن تماماً إلى جانب الدول المحيطة، أما بسبب معاهدات السلام معها، أو بسبب تفوقها العسكرى عليها، وكذلك فى الوقت الذى نجحت فى شطر المقاومة الفلسطينية إلى فصيلين كبيرين أحدهما هادئ ومتعاون ومفاوض فى رام الله، والثانى ما زال معانداً فى غزة، وبذلك تحقق لها قدر كبير من الاطمئنان النسبى، الذى لم يسبق أن توافر لها من قبل على الإطلاق.. وأقول فى الوقت الذى ظنت إسرائيل أنها قد حققت لحدودها السلام، ولمواطنيها الأمن، ظهرت لها كوابيس إيران التى باتت تؤرقها بالليل، وتزعجها بالنهار.. فإيران مصممة على امتلاك قوة نووية، وهى عادة ما تبدأ سلمية، ثم تتحول إلى عسكرية! وذلك إلى جانب أنها أصبحت تمتلك صواريخ متوسطة المدى يمكنها أن تطال المدن الإسرائيلية بكل بساطة، حتى ولو كانت بغير رؤوس نووية، وإنما بقنابل بيولوجية أو كيميائية.
ومن جانب آخر، فقد نجحت إيران فى تقوية تحالفها مع سوريا، الجار المباشر لإسرائيل، فزادتها قوة وقدرة على الصمود والمواجهة، وأصبح يحسب لها ألف حساب.. كما أنها دعمت وتدعم حزب الله فى لبنان، الذى حاولت إسرائيل أن تتغلب أو تقضى عليه مرتين، ولكنه كان أصلب وأقوى، وألحق بها الكثير من الضربات الموجعة، بل إنه أصبح يعلن أن أى هجوم إسرائيلى قادم على المدن اللبنانية سوف يقابله بهجوم مماثل على المدن الإسرائيلية بما فيها تل أبيب! أما المقاومة فى غزة فقد أصبحت تحظى بالدعم المعنوى والمادى من إيران، وهى شوكة فى جنب إسرائيل لا تستطيع كسرها ولا التخلص منها.
وهنا يمكن أن نسأل: هل من مصلحة إسرائيل أن تستمر فى عنادها العسكرى، وتصلبها السياسى بعيداً عن دائرة السلام التى طرحتها عليها البلاد العربية من خلال مبادرة الملك عبد الله، خادم الحرمين الشريفين والتى يمكنها أن تنقذ إسرائيل من واقعها المزعج، ومستقبلها الأكثر غموضاً. إن السياسة متقلبة. وأمريكا نفسها بدأت تتفاوض مباشرة مع إيران، الأمر الذى يمكنه أن يقلب الموازين فى الشرق الأوسط كله.
والخلاصة أن إسرائيل لم يعد أمامها سوى طريقين لا ثالث لهما: إما أن تمضى فى طريق الغطرسة والاحتلال والعنصرية وتتحمل عواقبها، أو تقبل بمفاوضات سلام شاملة مع من حولها لكى يمكنها أن تعيش بينهم، وتتعايش معهم.. ويكفى حالياً أن العالم كله لم يعد يرضى بممارستها، ولا يوافق على تصرفاتها، بل إن منظمات حقوق الإنسان الدولية والشعبية صارت تشير إلى قادتها باعتبارهم مجرمى حرب، ومرتكبى جرائم ضد الإنسانية!
نائب رئيس جامعة القاهرة السابق
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة