لابد أن نعترف أن ما هو أفضل من انتخابات رئاسة الجمهورية يحدث الآن، عبر تلك التسالى الإعلامية والصحفية التى تنبش فى دفاتر أحوال مصر لتخرج باسم ترشحه هنا، واسم تقترحه هناك، ومن بين الأسماء المقترحة كان الدكتور محمد البرادعى على خلفية حصوله على جائزة نوبل وعمله فى الحقل الدولى، صحيح أن الدكتور البرادعى لم يرشح نفسه وصحيح أنه رد على تلك الترشيحات الصحفية بكلمات من نوعية هشاور نفسى، وعاوز ضمان، واحتمال.. هذا الاحتمال الذى طرحه الدكتور البرادعى لخوضه منافسة الانتخابات الرئاسية وإن كان فى نظر البعض هروبا دبلوماسيا، ولكنه كان كافيا لأن يفتح باب المزايدات على الدكتور بدأ بصحف ترمى كل ثقلها وعناوينها على كل حركة وهمسة للدكتور الذى كان منذ شهر مجرد فائز مصرى بجائزة نوبل توضع صورته مع زويل ونجيب محفوظ والرئيس السادات فى نفس اللوحة، ثم دخل الحزب الدستورى على الخط وقدم للدكتور دعوة للترشح تحت مظلته، هذا بخلاف دعوة حزب الوفد السابقة، وبخلاف عديد من الدعوات ستسمعون عنها فى الأيام المقبلة بعد أن فتح الدكتور البرادعى المزاد دون أن يدرى.
لا أريد أن أخيب آمالكم ولكن تخيلوا للحظة من هو الحزب الذى يدعو البرادعى للترشح تحت مظلته، وكم واحد فى الشارع المصرى يعرفه، وكم حصل رئيس الحزب نفسه على أصوات فى الانتخابات الماضية، ثم طبقوا نفس الأسئلة على بقية الأحزاب المصرية وستكتشفون النتيجة مبكرا. الأمر هنا أكبر من مجرد حزب واحد وأقوى من مرشح واحد لأننا لا نتحدث عن انتخابات فصل تالتة أول، نحن نتحدث عن انتخابات رئاسية فى دولة ديكتاتورية يحكمها رئيسها منذ أكثر من 25 سنة، يعنى باختصار الدكتور البرادعى ليس فى حاجة إلى حزب واحد ولكنه فى حاجة إلى تكتل حزبى وسياسى لكى يستطيع أن يبدأ المواجهة، وإلا فليعتبر الدكتور البرادعى وجوده على قوائم المرشحين.. نوعا من أنواع التمثيل المشرف.
ما أقصده هنا وقد كتبته فى مقال سابق أن كلام الدكتور البرادعى حول الترشح رئيسا للجمهورية لو كان بجد سيعنى أن مصر اكتسبت شخصية عامة ذات ثقل يمكنها أن تبث الروح فى الأحزاب التى تعانى من نقصان حاد فى الأسماء اللامعة والبراقة وذات القبول الشعبى، ولن يعنى أبدا أن هناك منافسا قويا قادرا على مواجهة مرشح النظام الحاكم فى الانتخابات القادمة.. العقل والمنطق يؤكدان على ذلك لأننا حتى هذه اللحظة لا يمكن أن نأخذ تلميحات الدكتور البرادعى على محمل الجد، فالدكتور ما زال يتشرط ويطلب ضمان بأن تكون الانتخابات نزيهة وهو طلب تحقيقه فى يد الدكتور البرادعى أكثر مما هو فى يد النظام، لأن تأثيره وقوة حملته وقوة وجوده الشعبى وتماسك صفوف المعارضة من خلفه هى التى ستدفع العالم كله وليس المصريون فقط للتأكد من كون الانتخابات نزيهة أم لا، وهى الأشياء التى لا يملك الدكتور البرادعى منها أى شىء حتى الآن فلا نعرف إلى أى حزب سينتمى الدكتور، ولا نضمن أن الأحزاب المصرية ستجتمع على قلب رجل واحد، ثم هل هناك حزب فى مصر الآن قادر على التأثير فى الجماهير، أو على إدارة حملة انتخابية قوية؟ وهل يملك الدكتور محمد البرادعى القاعدة الشعبية الكافية؟ وإلى متى سيظل الدكتور مترددا فى إعلان موقفه النهائى؟ وهل ستكفى سنة أو هذه الشهور القادمة لإقناع الناس فى مصر بشخصية البرادعى، خاصة وأنه ليس من أصحاب تلك الكاريزما التى يجتمع الشعب المصرى حولها دون النظر إلى برامج أو خريطة عمل؟
وهل يملك الدكتور البرادعى أى مؤهل يمكنه المرور به إلى قلوب المصريين بخلاف جائزة نوبل؟ وهل يعلم الدكتور البرادعى أن الشعب المصرى يبحث عما هو أكثر من الجوائز؟ ثم وهو السؤال المهم هل يعرف الدكتور البرادعى حالة الأحزاب السياسية وحركات المعارضة فى مصر وهل هو مقتنع بفكر أحدها أو طريقة إدارتهم للأمور مع النظام؟ وهل يعلم أن تقييمه كمرشح رئاسة لن يتم بمعزل عن الحزب الذى سيترشح على اسمه؟ وهل يعرف كيف ينظر المصريون إلى هذه الأحزاب جميعا؟.
كل هذه الأسئلة وأكثر منها تحتاج إلى إجابات واضحة من الدكتور البرادعى قبل أن يحدد إذا ما كان سيرشح نفسه أم لا، وهى أسئلة ليست سهلة لأنها تحتاج إلى إجابات قاطعة وحاسمة وليس مجرد تلميحات أو جس نبض أو خجل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة