سخر منى صديقى رجل الأعمال، وقال معلقا على ما كتبته أمس عن أن الوزراء لا يركبون المترو أو يتناولون ما يتناوله الناس وسألنى: يعنى عاوز وزير الإسكان مثلا يسكن فى مشروع ابنى بيتك، أو يشرب من الحنفية، ولا وزير النقل يركب ميكروباص أو أتوبيس نقل عام، وتوسع فى سخريته، ولا يمكن عاوز وزير الصحة يروح يتعالج هو وأسرته فى مستشفى عام، ولا وزير التضامن يشترى عيش من فرن بلدى ويقف فى الطابور.
قلت له إننى لم أقصد هذا ولم أطالب السادة الوزراء بأن يشربوا من الحنفية، لكن على الأقل يتخيلون أنهم يوما ما قد يضطر الواحد منهم للشرب من الحنفية، ومع علمى أن وزير الصحة عنده دار الفؤاد. أعلم أنه وكثيرًا من المسئولين يعالجون هم وأسرهم فى مستشفيات أمريكا وفرنسا وألمانيا، وهو دليل على أنهم لا يثقون فى طب مصر ولا فى مستشفيات مصر، ولا أطلب من وزير الإسكان أن يعيش فى شقة إسكان متوسط أو شعبى لكنى فقط أطلب منه أن يجرب لأسبوع مثلا أن يسكن فى شقة من شقق الشباب، ولو ذهبت الحكومة فى رحلة لمدة أسبوع فى عشوائية من العشوائيات، ربما تقرر فورا إنهاء العشوائيات والقضاء عليها.
المدهش أن صديقى نفسه الذى سافر إلى دول مختلفة من العالم قال لى إنه التقى بوزراء فى الشارع، ورأى رؤساء وزراء ينتظرون دورهم ومخالفات تحرر لوزراء يخالفون قانون المرور، وذكرته بخبر شهير عن المستشارة الألمانية ميريكل التى دخلت سوبر ماركت لتتسوق فى نهاية يوم، والتقط لها صحفى صورا وهى تقف فى الطابور لتدفع ثمن مشترياتها، وهو خبر لم تنشره صحيفة ألمانيا اليوم، أو الأخبار الألمانية، لكنه نشر كخبر عادى وليس كنوع من الدعاية الانتخابية ولم تضطر ميريكل إلى شرب الشاى مع فلاح من أمن الدولة.
كنا نتذكر أمثلة كثيرة لمسئولين يلتزمون القانون فى الدول المتقدمة، وسألته: هل هم يفعلون ذلك لأنهم فى دول متقدمة.. أم أن هذه الدول متقدمة لأنهم يفعلون ذلك؟ نحن نتحدث عن هذه الدول وكأننا نتحدث عن دول افتراضية أو كواكب أخرى، بعيدا عن الأرض.
وقلت له إننى لا أتصور أن يرتدى وزير التضامن ملابس مقطعة أو يعلم وزير التعليم أبناءه فى مدارس الوزارة ذات التسعين تلميذا فى الفصل، لكن من المؤكد أن هناك طرقا للإدارة يمكن للمسئول من خلالها أن يعرف ما يجرى، ولا يكفى نظام الزيارات المفاجئة التى تذاع أخبارها قبل حدوثها بشهر.
الوزراء عندنا مساكين لأنهم يعيشون داخل جدران محاصرة بالحرس والمستشارين والتقارير التى تصل إليهم بعد تنقيتها من أى منغصات، ثم إنهم ينتظرون تدخل رئيس الوزراء، الذى ينتظر تعليمات الرئيس، والتى تصدر بعد أن تتفاقم "المتفاقمات".
امتدت المناقشات والقصص، لكنه قبل أن ينهى المكالمة قال لى: بس قل لى فعلا انت عاوز الوزرا يشربوا من الحنفية؟!