مرة أخرى أعود إلى ما أثارته نتيجة الاستفتاء الشعبى بحظر بناء المآذن فى سويسرا، خاصة أن كلماتى أمس عن محاولة إعمال المنطق والنظر إلى القضية برؤية إنسانية تخصنا وتخص الآخرين معا، أثارت عديدا من ردود الفعل الغاضبة التى عبرت عن رغبة البعض فى رؤية حقوقهم والتغاضى عن حقوق الآخرين، دون سؤال أنفسهم عن المبررات والأسباب التى تدفعهم إلى اعتبار أنفسهم أفضل من الآخرين، وحتى نخرج من التعميم إلى التخصيص والتعيين أقول إن الاستفتاء بحظر بناء المآذن فى سويسرا يمكن أن يدفعنا للاتفاق حول عدد من الثوابت، منها:
- إن التسامح هو الأصل وليس التعصب، ولو استندنا إلى التعصب كأساس، سيجد كل فريق لنفسه العديد من المبررات، ومن هنا يمكن اعتبار الاستفتاء بحظر بناء المآذن ارتفاعا فى مؤشر التعصب عند الشعب السويسرى، وعلينا البحث عن أسبابه ومواجهتها، ليس بمنطق أننا الأفضل أو المظلومين المضطهدين، ولكن من خلال رؤية حركة مسلمى سويسرا إلى جوار صعود العداء للمهاجرين والأجانب هناك.
- إن أمامنا معيارين أساسيين عند التعامل مع هذه القضية، الأول أن نعمل ما نريد على أرضنا بان نمنع بناء دور العبادة لغير الذين على ديننا، أو نضيق عليهم، وفى هذه الحالة علينا أن نقبل أن يعمل الآخرون على أراضيهم ما يشاءون من منع بناء دور العبادة للمختلفين معهم فى الدين أو التضييق عليهم، والمعيار الثانى أن نحتكم جميعا نحن والمختلفون معنا فى العقيدة واللغة والجنسية إلى قانون إنسانى عام يقوم على المساواة والتسامح وحرية العقيدة، بمعنى أن علينا جميعا كبشر أن نقبل الآخرين كبشر لهم الحق فى ممارسة حقوقهم الدينية، وعدم اعتبار أن ممارسة المختلفين عنى فى العقيدة لحقوقهم يهدد ديانتى ومعتقدى، أو يؤثر عليها بالسلب، لأن الأديان ليست فى منافسة ومعتنقوها ليسوا فى مباراة كرة قدم، وإنما الأصل أن يسعى كل إنسان لعبادة الله خالقه حسب رؤيته واعتقاده.
- أن نختار بين المعيارين ، أن نعامل الآخرين مثلما يعاملوننا وندافع عن ذلك أو أن ندعو لمعايير راقية فيما يخص حرية العقيدة والتعبير عنها، وهو معيار أوردته كافة المواثيق الدولية كحق أصيل من حقوق الإنسان، كما أنه معيار يبنى ولا يهدم، يؤكد تماسك المجتمعات ولا يفتتها.
- إن هناك دائما أصواتا عاقلة فى معسكرات المخالفين والمتنابذين، وعلينا أن نمد إليها الأيدى، بدلا من الالتفات والتشبث بأصوات المتطرفين ودعواتهم وصراخهم الغوغائى، وهنا أورد ما كتبه أحد القراء الأعزاء ، مستشهدا بالأصوات الغربية الرافضة لحظر بناء المآذن بسويسرا مثل وصف حزب الخضر تلك النتائج بأنها "صفعة للسياسة السويسرية بشكل عام وللجالية المسلمة أيضا"، معربا عن تضمانه معها.وما وجهه الاتحاد الأوروبى من انتقادات شديدة لنتيجة الاستفتاء وما أعلنه الفاتيكان من أنه "على الخط نفسه مع الأساقفة السويسريين " الذين أعلنوا أن التصويت لصالح حظر بناء المآذن فى بلادهم يشكل "ضربة قاسية لحرية المعتقد". وما أعرب عنه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من أن حظر المآذن "يعبر عن عدم التسامح".
- إن حدوث تجاوزات وجرائم دينية وعنصرية بين المختلفين فى العقيدة، أمر لن يتوقف أو ينتهى، سواء عندنا أو فى الغرب، ولكن علينا النظر إليها باعتبارها تجاوزات أو جرائم أو حتى كوارث ومواجهتها بما تستحقه، لكن ليس علينا أبدا اعتبارها الأساس الذى نتعامل من خلاله مع الآخرين المختلفين معنا فى العقيدة والدين.
اللهم فاشهد
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة