فى أيام العيد ضبط نفسى متلبسا بالمشاركة الفعلية فى جلسة شكوى.. تلك التى يجلس بها مجموعة من الأصدقاء أو المعارف ويبادر كل واحد فيهم بإلقاء همومه على كتف الآخر مع إلقاء مسئولية ما هم فيه من مشاكل على كتف آخرين من بينهم الحكومة والزمن والقدر والنصيب وأشياء أخرى كثيرة.. هذه الجلسات تنتهى فى العادة بنتيجة واحدة تقول إن كل المشاركين فيها أبرياء مما يحدث.. وجلستنا هذه انتهت إلى نفس النتيجة، كلنا نريد وطن أفضل وحياة محترمة، ولا نعرف من السبب فى إللى إحنا فيها، لأننا أخرجنا أنفسنا من المعادلة على اعتبار أننا أبرياء.. وهو ما أكتشتف عدم صحته بعد ثلاث دقائق من التفكير فقط حتى تعالى نشوف..
يبدو أنك مثلهم.. مقتنع بما يحدث وراض بظل الحيط الذى تمشى بجواره وتحتمى به من الحقيقة التى تقول إنك أنانى وضعيف، ربما اليوم أو غدا أو حتى بعد غد تستمر معك تلك الحالة من الطمأنينة بأن كل شىء على ما يرام، تركتهم يسرقون ويزورون ويسجنون ويعذبون ويرفعون راياتهم من فوق قفاك.. وأنت مطمئن.
صحيح ليست تلك أموالك التى تحفظت عليها الدولة ولا تلك هى أوراق ابنك التى تم تزويرها فى الكلية حتى يتم تعيين ابن شخصية مسنودة بدلا منه، وصحيح أن من دخل السجن ليس صديقك ولا زوج أختك، والأصح أن من تم تعذيبه وانتهاك عرضه فى قسم الشرطة ليس هو أبوك أو أخوك..
أنت فى أمان ما دمت لا تفتح فمك، ما دمت تمارس حقك الطبيعى فى طأطاة الرأس والرضى بما قسمه لك أصحاب السلطة والنفوذ من شوية قمع وقهر وذل على حبة فلوس مضمونة آخر الشهر.
أعلم جيدا أنك تمارس طقوسك الدينية بانتظام، كما أعلم تماما أنك تستغل نفس الدين فى رفع راية الخضوع للحاكم المستبد تحت شعار طاعة ولى الأمر.
أعلم أنك تسعى جاهدا لإرضاء نفسك بحالة الركوع الذليلة التى عودتها على ممارستها، كما أعلم أنك أحيانا قد لا تكون راغبا فى منصب أو مال بقدر ما تكون راغبا فى الأمان والابتعاد عن طريق السجون والمعتقلات و"عصيان" الأمن المركزى التى تضرب و"عصيان" أمن الدولة التى تغتصب وتنتهك.
أعلم أنك طيب جدا، وتبذل جهدا شديدا فى الحزن على زميلك فى العمل الذى غاب فى المعتقلات منذ 10 سنوات بسبب لحيته الطويلة أو بسبب نشاطه السياسى الذى لم يكن يتعدى الوقوف فى مظاهرة وسط ميدان التحرير والهتاف بكلمتين حق فى وجه سلطان جائر.
أعلم أنك تخشى أن يكبر أطفالك ويرثوا عنك صفة الجبن، رغم أنك تلقنهم كل صباح نشيد الإستسلام المعتاد.." امشوا جنب الحيط.. ومحدش ليه علاقة بالسياسة.. إحنا مش قد الحكومة".
أحيانا يوهمونك بجرائدهم وتصريحاتهم أنك مواطن مصرى صالح ولست من بتوع المعارضة النصابين الذين يهدفون لتدمير البلد، وأحيانا تتكفل أنت بإيهام نفسك - مثلما فعلت أنا مع أصدقائى- بأنك برىء وللأسف تصدقهم وتصدق نفسك، رغم أنك تعلم يقينا أن جارك المعتقل بلده أحب إليه من نفسه، وهو نفسه أبعد ما يكون عن فكرة النصب.
أنت إذن مثلى ومثل شركاء جلسة تبرئة النفس وإلقاء المسؤلية على الآخرين.. مواطن غير صالح مهما حاولت أن تصنع لجبهتك "زبيبة" صلاة أو تملأ يدك بأكثر من صليب.. صدقنى أنت كذلك ولن تطهر نفسك من شوائبها إلا بالنزول إلى الشارع والبحث عن نفسك وسط تلك الهتافات التى تقول لكل غلط لأ وتدعو بسقوط المستبدون أو بصعودهم.. مش هتفرق!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة