أشار المقال الأخير فى نفس هذا المكان إلى خطورة أن نتورط، نحن المصريين فيما يسمونه حرب السنة والشيعة أو مواجهة المد الشيعى فى مصر. يرتكز تحذيرى هذا على حقيقتين، الأولى أننا فى مصر لم نعرف منذ دخول الإسلام إلا تديناً فطرياً وعقيدة سنية عميقة، يختلط بها عشق رسول الله وآل بيته اختلاط ماء النهر بالبحر. فى تراثنا الشعبى الدينى عروسة المولد، والاحتفاء بعاشوراء، وزيارة آل البيت، وأنوار الموالد، وحلقات الذكر وكل مظاهر الاحتفالات الدينية التى اتسمت دائماً بالبهجة دون مغالاة ولا بُعد عن جوهر الدين.
فإن حاول وهّابى أو صاحب أى فكر متشدد أن يقنعنا بأن كل ما توارثناه عبر قرون من إرث ثقافى دينى عميقي يشوبه البدع والضلالة فلنذكره بأننا وجدود جدودنا نصلى على النبى ونزور الحسين وآل البيتي ولم نؤلّه يوماً إماماً ولا وليا.
وإن حاول شيعى أن يلعب على وتر حبنا الجم لآل البيت، ويقول إن إسلامنا فى مصر فى أصله شيعى منذ الحكم الفاطمى، فلنتذكر أن عدد من تأثروا بالدعوة الفاطمية من سكان مصر آنذاك، كان محدوداً، وأننا استقبلنا المعز لدين الله الفاطمى بالسخرية والهجاء، ليس لأنه شيعى، ولكن للشكوك التى كانت تحيط بصحة نسب الفاطميين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أننا لم نأخذ عن الفاطميين إلا ما تناسب مع عقيدتنا وروح إسلامنا. علينا إذاً أن نتأكد أن إسلامنا المعتدل بعيد فى فكره وجذوره عن الشيعة بُعده عن الوهابية؛ قد لايستوعبوننا ولكننا نستوعبهم وغيرهم باختلافاتهم.
أما الحقيقة الثانية فهى أن كل ما يصل إلينا على مستوى المواطن العادى من خلافات بين السنة والشيعة، لايخرج أبداً عن نطاق الصراع السياسى بين فكر إيران ومحبيها والفكرالوهابى وأتباعه، والذى يعتمد فيه كل طرف على خلط أوراق الخصم، وإظهار مساوئه الفكرية أمامنا عن طريق رجال الدين فى معظم الأحيان. فالوهابيون يخلطون بين فِرَق الشيعة المختلفة ويُصّورون أن جميعها تسب الصحابة وآل البيت، وهذا ليس صحيحاً، كما أنهم ينتهزون فرصة إشعال هذا الصراع ليضربوا كل ما ليس وهابيا، حتى أنهم يخلطون بين الشيعة والصوفية الذين لا يمتّون فى أصلهم وفكرهم وروحهم للشيعة بأى صلة. أما الشيعة (وأقصد المتورطين فى هذا الصراع فقط) فهم يحاولون تحميل كل السُنة وزر الفكر الوهابى، ويلوون ذراع السياسة لزجّها فى الدين أو العكس، ولا ننسى أن ظهورالشيعة كمذهب كان على أساس خلاف سياسى لا دينى. أرجو من القارىء الكريم أن يلاحظ بعض الأحداث الأخيرة: الحرب السعودية على الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران، مطالبة إيران وكأنها المتحدث الرسمى باسم شيعة العالم، بالسماح بتظاهرة «البراءة من المشركين» للحجاج الشيعة فى محاولة لتسييس الحج، لم تنجح هذا العام والحمدلله، شكوى إيران من سوء معاملة الحجاج الشيعة، أخيراً وليس آخراً، الدعوة الكوميدية المغرضة لزعيم القرآنيين أحمد صبحى منصور بعقد مؤتمر لإنهاء السيطرة السعودية على مكة.. صراع سياسى بحت، إن أردنا المشاركة فيه فلندخله من أبوابه السياسية والعسكرية ونغلق باب العبث فى الدين، فلم نكن يوماً من هذا الطرف ولا ذاك.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة