د.أحمد فؤاد أنور

ملاحظات على "ولاد العم"

الخميس، 10 ديسمبر 2009 07:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثار فيلم "ولاد العم" لشريف عرفة، اهتمامى كباحث فى الصراع العربى الإسرائيلى، وكمشاهد عادى منذ فترة التجهيز له، ففكرته يستحق المتابعة، ومخرجه شهادة ضمان يحصل عليها المتفرج قبل اختيار الأفلام التى سيدخلها فى دار العرض، وعلمت بالطبع بتوقف تجهيزات الفيلم حتى يتسنى الحصول على تصريح من الجهات السيادية المصرية، وتابعت تقرير معاريف عن الفيلم وقولها "إن للموساد فضل إنعاش السينما المصرية"، قصة الفيلم تدور حول ضابط موساد اختطف زوجته المصرية وولديه لإسرائيل، بعد أن خدعها لسبع سنوات متصلة خمس منها فى "العراق" وعامين فى "مصر"، حيث كان يعد لاغتيال علماء مصريين وضابط مخابرات، وحبكة السيناريو فى الصرع الداخلى الذى تعانى منه منى زكى وهى تعانى صدمة المفاجأة وتحاول التعامل معها وحيدة داخل إسرائيل.

وملاحظاتى السريعة على الفيلم الممتع تتمحور حول أنه يعد أكثر فيلم استعان بجمل حوارية باللغة العبرية.. وقد جاءت التجربة متميزة، حيث ابتعد الحوار والترجمة عن "عبرية التوراة"، وتجنب إظهار الإسرائيليين كشعب دمث دائماً وشديد التهذب.. وقد أحسن القائمون على الفيلم صنعاً عندما استعانوا بمتخصص له دراية واسعة بالعبرى الحديث والمجتمع الإسرائيلى والديانة اليهودية هو د.منصور عبد الوهاب، الذى لعب دور حاخام فى الفيلم أيضاً، كما استعانوا بصوت منير محمود، الذى أدى أيضاً أحد الأدوار الثانوية فى الفيلم، وجاءت التجربة ناجحة إلى حد بعيد، شريف عرفة قدم لنا فى الفيلم مشاهد مبهرة وإيقاع سريع، ومن نافلة القول أن أداء النجوم فى الفيلم كان ممتعاً وبعيداً عن التكلف والعصبية، لكن المشاهد العادى يمكنه أن يلاحظ فى بعض الأحيان أن المخرج الكبير "يسير على الحبل"، فهو شديد الحرص على التوازن بداية من تترات الفيلم التى تصدرتها عبارة: "كريم عبد العزيز فى.. ولاد العم"، ليتأكد للجميع أن الفيلم (فيلم كريم)، وإن كان سيناريو الفيلم، وعمقه الدرامى يوضح لنا أن الاسم "الثالث" فى التترات هو الشخصية المحورية فى الفيلم، وبالتالى تجنب عرفة ضغوط كريم لزيادة مشاهد لا لزوم لها فى الفيلم.

ومن بين التوزانات التى يمكن رصدها فى الفيلم، كذلك قيام رجل المخابرات المصرى بمنع فلسطينية من تفجير ديسكو مزدحم فى قلب تل أبيب يجلس فيه "دانيال" (ضابط الموساد الذى هرب بزوجته من القاهرة) وهو ما برره السيناريو بأنه لا ضرورة لقتل أنفسنا لكى نقتل الإسرائيليين، وأن هذا التفجير من شأنه إفساد عمل شهور (ربما تكون الحقيقة هنا هى إن العملية الاستشهادية فى الفيلم كانت ستنهى مبكراً عمل استغرق شهور لطاقم الفيلم).

وهنا يمكن الظن، وليس كل الظن إثم، أن عرفة أراد من هذا المشهد أن يقول، إن المصريين يرفضون العمليات الاستشهادية، وبالتالى يؤمن لنفسه خط رجعة عند اتهامه بسبب الفيلم بمعاداة السامية والعنصرية وغيرها من التهم الصهيونية الجاهزة ضد كل من يدين الاحتلال وممارساته، ومن بين التوزانات التى لجأ إليها شريف عرفة كذلك فى الفيلم إصراره على عدم تقديم ضابط المخابرات المصرية بشكل إنسانى، فجاء البطل أقرب للروبوت لا نعرف عن حياته الشخصية شيئاً سوى عبارة مقتضبة مفادها، أن زوجته قتلت برصاص إسرائيلى، فى المقابل عرض علينا الفيلم أم "دانيال"، و"أبيه"، وأبناءه، وجيرانه، ومشاعره المتضاربة تجاه زوجته، وأولاده التى لم يصدر منه طيلة الفيلم أى إجراء عنيف ضدها، حيث لم تتعرض على يديه على الإطلاق لأى إيذاء بدنى لإقناعها بالبقاء فى إسرائيل أو الالتزام بتعليماته.

كان غريباً بعض الشىء أن يبرر شريف منير اصطحابه لزوجته معه لإسرائيل ثلاث مرات وكل مرة كان التبرير مختلفاً عن سابقه، فهو تارة يخبرها أنه يحبها، وتارة يبلغ رؤساءه أنه خالف تعليماتهم وأحضرها حتى تستفيد منها إسرائيل إعلامياً، وأخيراً يقول أنه أحضرها كطُعم لكى يغتال ضابط المخابرات المصرى(!) والأغرب أن يظهر مواطن إسرائيلى ليقدم نفسه على أنه "يهودى مصرى، وليس صهيونى".. مع العلم بأن غير الصهيونى هو من يبقى فى مصر مثل أفراد الطائفة الذين لا يزالون يعيشون فيها حتى يومنا هذا، أو على الأقل من هاجروا منها لدولة غير إسرائيل.

ويبقى فى النهاية سؤال محير أعتقد أنه يؤثر بالسلب على الخط الدرامى للفيلم: كيف استطاع مسلحون مصريون أو مناصرون لمصر تحرير عنصر المخابرات المصرية من قبضة موكب الموساد فى قلب تل أبيب بعد معركة استخدمت فيها الصواريخ من فوق أسطح المنازل، ولم يؤمنوه أو يساندوه فى معركته الفردية عند المصنع المهجور قرب الحدود؟.. وهو الموقع الذى تم الاتفاق عليه مسبقاً للهروب عبره من إسرائيل؟ وسر تحدث شريف منير فى هذا المشهد مع رجاله باللغة "العربية" - على عكس ما اتبعه طوال السيناريو- ويبدو لنا أن ميزانية الترجمة نفذت عند هذا المشهد فتم تصويره بالعربية، ولعل نفس الملاحظة تنطبق على المشاهد التى تصوير قصف إسرائيلى للفلسطينيين بالاستعانة بتقنية الجرافيك.. حيث بدا القصف لا يفرق بين قوات الاحتلال والفلسطينيين(!) وبدون أى تأثر من هؤلاء بالنيران الملاصقة لهم أو حتى التفات لمن سيسقط من جراء القصف(!).

خلاصة الأمر، أقل ما يقال عن أداء منى وشريف وكريم، إنه "راقى"، وكل الأدوار المساعدة، بل والثانوية أدت دورها بإتقان يحب للقائد شريف عرفة، والفيلم ممتع، خاصة فى المشاهد التى راوغنا فيها عرفة وأقنعنا أن منى زكى كانت تحلم أو أن الفلسطينى التى طلبت مساعدته متخاذل أو عميل، لكننا كنا نتوقع أن يقدم لنا شريف عرفة الأفضل، ويبتعد عن التوازنات، فمكانها السياسة أو التربيطات الانتخابية.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة