>> نحن فى مناخ طائفى يسمح بالتعامل على أرضية مسيحى - مسلم بدلا من مصرى.. والعادات والتقاليد تمنع الأهل من الاعتراف بتغيير الدين
فى سؤال موجه للبابا شنودة الثالث حول ما يسمى باختطاف وأسلمة المسيحيات أو ما يسمى الأسلمة الجبرية، قال البابا فى هذا الموضوع: هيكون لنا يوم معاهم! فهل هناك فعلا اختطاف للمسيحيات بهدف أسلمتهم؟
بداية فإن الانتقال من الإسلام للمسيحية أو العكس نتيجة لاقتناع المتحول بالإسلام أو المسيحية اقتناعا عقيديا نتيجة للمعرفة والبحث والدراسة بعد تلك المقارنة بين العقيدة التى كان يؤمن بها المتحول والعقيدة التى آمن بها بعد ذلك، فهذا يدخل تحت باب حرية العقيدة التى أجازتها الأديان وقننها الدستور وحمتها مواثيق حقوق الإنسان.. «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».
وهذا بالطبع غير التحول الذى يتم من خلال تلك الجماعات التبشيرية أو الدعوية فى المسيحية والإسلام، والتى تتصور أنها تقوم بعملية التحول للأشخاص من دين لآخر، متوهمين أن عمليات التحول هذه تعطى هؤلاء من هنا وهناك صكا بالخلود فى الجنة نتيجة لكم المتحولين الذين قاموا بتحويلهم للمسيحية أو للإسلام، وبالطبع فهؤلاء لا يقومون بتلك المهمة، ليس نتيجة للبحث والدراسة والاقتناع بقدر ما أن هناك عوامل أخرى يقصد بها الإغراء للتشجيع لهذا التحول، مثل الإغراء المادى فى ظل الظروف الاقتصادية التى يعيشها الشباب الآن، مثل الإغراء بشقة أو الحصول على عمل أو التسفير للخارج.
أما السبب الآخر للتحول وهو ما يسمى بالعلاقات العاطفية بين مسلم وفتاة مسيحية يتأجج فيها الحب بين الطرفين، فيكون التحول فى الغالب الأعم إلى الإسلام للطرف المسيحى حيث إن السياق الاجتماعى العام نظرا للأغلبية والأقلية وتأكيدا لإعمال المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، بالإضافة إلى الميراث التاريخى الموروث الذى لم يكن فيه ما يسمى بالتحول إلى المسيحية فى أى إطار ظاهر ومعلن، وهذا يعنى أن هناك حالات تحول من المسيحية إلى الإسلام والعكس إما نتيجة لإيمان حقيقى بالتحول تتويجا لدراسة وبحث ومقارنة، وإما نتيجة إغراءات مادية فى أشكال مختلفة أو نتيجة علاقات عاطفية بين شاب وفتاة.
ولكن هل هناك ما يسمى بحالات اختطاف لفتاة مسيحية عنوة وبالقوة والإجبار بهدف أسلمة تلك الفتاة؟ هنا نقول يمكن أن تعلن فتاة تحولها للإسلام نتيجة لإغرائها أو لعاطفة أو حب على شاب مسلم، وهذا فى إطار الاختيار الشخصى شىء طبيعى، ولكن غير الطبيعى هو ما يحدث مع فتاة لم تصل إلى السن القانونية ويتم إعلان تحولها دون الأخذ فى الاعتبار رأى الوالدين أو إعطاء الفرصة لمناقشة تلك الفتاة فى قرار التحول عن طريق بعض رجال الدين المسيحى، حيث كان هذا تقليدا يعمل به فى مراكز الشرطة، مما يجعل الإعلان عن تحول هذه القاصرة شيئا يشوبه التدليس بالنسبة لأهل الفتاة وعموم المسيحيين، وهنا دائما ما تقع المسئولية على رجال الشرطة وهذا شىء لا ينكر، خاصة أننا فى مناخ طائفى خطير تحول إلى فرز طائفى يسمح بالتعامل على أرضية مسيحى - مسلم بدلا من مصرى - مصرى، ومع ذلك فهل هذا يمكن أن نطلق عليه اختطافا؟ بالطبع لا، بل أقول إنه لا يوجد على المستوى العملى والواقعى ما يسمى باختطاف، لأن الاختطاف هو فعل إجرامى وجنائى ويمكن للفتاة المختطفة أى بدون إرادتها وضد رغبتها أن تعلن بكل الوسائل والسبل أنها مختطفة، وفى هذه الحالة لابد للقانون أن يتحرك ويحاكم من قام بالاختطاف.
كما أنه لا يمكن واقعيا اختطاف فتاة ضد إرادتها وإرغامها على أن تتحول للإسلام، فيمكن الخطف بهدف السرقة أو حتى بهدف الاعتداء والاغتصاب الجنسى دون إرادتها، ثم بعد ذلك يمكنها الإبلاغ عن ذلك وتتم محاكمة من قام بهذا، لدرجة أن هناك حالات عديدة يحكم فيها بإعدام الخاطفين، ولكن أن تخطف فتاة وتجبر على الإسلام.. كيف؟ وكيف تتحول من دين إلى دين آخر نتيجة لهذا الخطف الإجرامى؟ وهل تلك الوسيلة المجرمة قانونا تصلح كإغراء لأحد على أن يتحول إلى دين آخر؟ وهل يمكن أن يكون الخطف بدلا من الحوار والإقناع بهذا الدين الآخر؟
إذن لا يوجد ما يسمى بخطف المسيحيات وإجبارهن على الأسلمة.. وهنا نسوق دليلا حيا لحالة من حالات الاختطاف تمت منذ عدة سنوات فى مدينة أسيوط، فقد قام بعض الشباب المسلم بخطف فتاة مسيحية إلى شقة بالدور الخامس، ولا نعلم قصد هؤلاء، هل كان بهدف الاعتداء الجنسى على الفتاة أم بهدف الجنس لوضعها أمام الأمر الواقع بهدف الأسلمة؟ على كل الأحوال فقد قامت الفتاة بإلقاء نفسها من الدور الخامس وفارقت الحياة وتصورت أنها لا تستطيع المقاومة، وهروبا من موقف لا تريده سواء كان بهدف الاعتداء الجنسى أو بهدف الأسلمة، وهنا نقول إن الاختطاف القسرى لا يصلح لما يسمى بالأسلمة.
ولكن لماذا يقال دائما على من تختفى وتذهب للأسلمة أنها اختطفت وأجبرت على الأسلمة؟ لأنه من الطبيعى أن يقول أهل الفتاة باختطافها منعا أو تقليلا من الفضيحة، لأن العادات الاجتماعية المصرية ترفض رفضا باتا هروب فتاة مسلمة أو مسيحية مع شباب مسلم أو مسيحى دون إرادة أهلها، كما أن الهروب مع شاب مختلف الديانة معها -خاصة فى الصعيد- يعد فضيحة مزدوجة مما يجعل الأهل يقولون بالخطف، وأنا دائما أقول فى هذا الإطار إنه لو كانت حالات خطف حقيقى دون إرادة الفتاة فعلى الشرطة إحضار الفتاة دون تهرب أو تدليس، ويتم سؤال الفتاة إذا كانت خطفت بالفعل قسرا فيحاكم الشاب فورا، وإذا كانت قد ذهبت بمحض إرادتها أو نتيجة لإغراء معين فيكون هنا قرار الفتاة العودة إلى أهلها أو البقاء مع الشاب إذا كانت تريد هذا بإرادتها.
والمثل هنا قصة الفتاتين ماريان وكريستين وقد كانتا مع والدتهما فى برنامج الحقيقة مع الصديق وائل الإبراشى، وقد ادعت الأم اختطاف الفتاتين ولم أقتنع بالطبع لأسباب كثيرة، ولكن طلبت من الشرطة أن تأتى بالفتاتين ويتم التحقق.. هل تم اختطافهما قسرا أم أنهما قد ذهبتا بإرادتهما، وكان الرئيس مبارك مشاهدا للحلقة وقد أمر وزير الداخلية بإحضار الفتاتين وقد تقابلت معهما فى أحد البرامج التليفزيونية، وقد تم التأكد بعدم اختطافهما، ومازالتا تقيمان مع زوجيهما المسلمين، وقد اعتنقتا الإسلام بإرادتهما.
أما المثل الصارخ الأهم فهو حالة وفاء قسطنطين زوجة القس والتى تم الادعاء بأنها اختطفت لأنها زوجة قس، واتضح أنها قد ذهبت لقسم شرطة دار السلام بالقاهرة لإعلان إسلامها بمحض إرادتها ولكن لأنها زوجة قس قامت الدنيا ولم تقعد، وتم حشد الشباب للتظاهر فى الكنيسة وقد أرغمت الكنيسة الدولة على تسليم الكنيسة وفاء بادعاء أنها قد عادت للمسيحية مرة أخرى، ونحن لا نعلم حتى هذه اللحظة هل هى مسلمة حسب ما أعلنت ذلك رسميا أم أنها قد عادت فعلا للمسيحية كما تقول الكنيسة؟ ومازال اللغط قائما لأن وفاء لم تظهر كما قيل لكى تعلن الحقيقة، والأغرب أن وفاء الآن تخضع للإقامة فى مكان مجهول حيث إن مخبر الأشخاص يخص الدولة وحدها وعن طريق القانون.
فالقضية ليست قضية اختطاف.. فلا أحد يجبر أحدا على اعتناق عقيدة لا يؤمن بها، فالإيمان ما وقر فى القلب وليس بالكلام فقط، فلابد أن يصدقه العمل، مع العلم أن التحول من دين لآخر ليس نهاية العالم، ولن ينتهى هذا التحول لأنه طبيعة الأشياء، ولكن أن يتم هذا التحول عن طريق الإيمان الحقيقى بعيدا عن الإغراء والتدليس.
أما حالات الحب والعاطفة فهذه قضية أزلية وستظل أبدية ولابد أن نضعها فى إطارها الإنسانى بعيدا عن الإطار الطائفى، ولكن هنا لماذا التضخيم والادعاء فيما يسمى باختطاف المسيحيات وإجبارهن على الأسلمة، خاصة ممن يسمون بأقباط المهجر، بهدف الادعاء أن هناك اضطهادا للأقباط حتى يتم تفعيل قانون الحماية الدينية الصادر من الكونجرس الأمريكى عام 1998، الذى يقول إنه إذا كانت هناك أقلية دينية مضطهدة اضطهادا منظما تقف وراء هذا الاضطهاد الحكومة، ليصبح عندئذ من حق الحكومة الأمريكية التدخل فى شئون هذا البلد لحماية تلك الأقلية.
فهل أدركنا لماذا هذا الحماس وهذا الادعاء بخطف وأسلمة المسيحيات؟ حتى يتسنى التدخل الأجنبى الذى لن يكون فى صالح المسيحيين على كل الأحوال ولا فى صالح مصر التى نسعى جميعا أن تكون ملكا لكل المصريين.