بمناسبة ما يسمى بذكرى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وتفاعلا مع ذكراه الـ61 التى تمر علينا، وتعاطفا مع وضع الإنسان المصرى الذى يعيش بلا حقوق، أو يعيش دون أن يعرف له حقوق أصلا.. تعالوا نعش مع تفاصيل يوم مصرى كامل كنت قد نشرت بعض تفاصيله من قبل، لنعرف كيف حول قانون استثنائى يحمل لقب الطوارئ كل دقيقة فى حياة المواطن المصرى إلى تعريف حقيقى لفكرة التفنن فى انتهاك حقوق الإنسان، فاليوم فى حياة السائرين فى شوارع مصر المحروسة عبارة عن رحلة بشعة يعيشها المواطن المصرى تحت مظلة قانون الطوارئ ومزاج رجال الجهاز الأمنى فى مصر، ويكفيك لأن تنظر إلى أعداد المعتقلين بدون إذن نيابة أو هؤلاء الذين لا يعرف لهم أهلهم مكان لتتأكد من ذلك، فطبقا لتعليمات المادة الثالثة من قانون الطوارئ يكون من حق رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه سلطة اعتقال الأشخاص الخطرين على الأمن والنظام العام وعلى اعتبار أن فكرة الخطورة على الأمن والنظام العام فكرة مطاطة ولولبية لا معالم ولا حدود ولا ملامح لها فى هذا القانون أو فى أى قانون غيره داخل مصر، فإن عملية الاعتقال هذه تتم حسب مزاج البيه الضابط ورؤيته وتقديره لوجوه الأشخاص ومدى ارتياحه لهم، فالخطورة التى تشير إليها المادة الثالثة من قانون الطوارئ وعلى أساسها يتم الاعتقال تعنى ارتكاب شخص لأفعال مادية فى العالم الخارجى، بمعنى أن الأعمال التى لا تعتبر جرائم بمقتضى قانون العقوبات أو القوانين المكملة له قد يراها رجال الجهاز الأمنى طبقا لتقديرهم أفعالا تهدد الأمن العام وتستوجب اعتقال مرتكبها، وبعيدا عن مدى شرعية قانون الطوارئ من عدمه، لأن هذه مسألة يرى الرئيس مبارك ورجاله وحدهم أنها شرعية والأمر فى بلدنا كما تعلمون يسير وفقا لما يريده هؤلاء، فإن ذلك القانون الاستثنائى جعل من يوم المواطن المصرى رحلة قاسية على ثلاث مراحل:
1- المواطن المصرى الذى يسمع أذان الفجر وينزل من بيته ليلبى نداء ربه قد لا يعود مرة أخرى، فطبقا لقانون الطوارئ قد يتم توقيفه إذا اشتبه فيه أحد رجال الأمن وفى أيام سابقة من سنوات ماضية كنا نسمع حدوث ذلك كثيرا، إما لشخص أطلق لحيته حديثا، أو لأحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ومازال الأمر وارد الحدوث، توقع أن يحدث ذلك كثيرا أن يوقفك ضابط شرطة وأنت على باب الجامع ويسألك بكل سذاجة أنت رايح فين فى وقت زى ده؟ أو قد يتمادى فى سذاجته ويسألك وأنت بالبيجامة فين البطاقة بتاعتك وشهادة التجنيد، وطبعا سيادتك نازل من على السرير وجيوبك أنضف من الصينى بعد غسيله، وبالتالى ستصلى الفجر إما فى البوكس أو فى أقرب قسم لبيت حضرتك، وبالمناسبة هذا المشهد حدث بالتفصيل مع أحد الأصدقاء، والسيناريو نفسه قد يحدث لو شعر أى مواطن "بالخنقة " أو أصيب بضيق التنفس وقرر أن ينزل الشارع ليشم شوية هوا.
وخد عندك يا سيدى لو قرر هذا المواطن الغلبان أن ينزل صباحا إلى عمله يعنى مجموعة من العمال يركبوا عربية نص نقل ورايحين شغلهم فى ساعة مبكرة قد يوقفهم كمين ويبدأ فى تفتيش السيارة وتفتيش العمال، ويكون سيادة الضابط مش نايم أو فى آخر ورديته ويطلع "قرفه" على العمال الغلابة، وقد يسحب أحدهم إلى السجن بحجة أن بطاقته مازالت ورقية وغير معترف بها أو لا يحمل شهادة تجنيد أو اشتبه الضابط فيه ويرغب فى التحقق فى سجله الإجرامى، وفى النهاية غالبا ما يتسبب هذا الكمين فى تأخر العمال عن عملهم أو فقدانهم لأعمالهم. لا حظ كم الخسارة النفسية والمادية التى قد يسببها مثل هذا الموقف، خاصة مع تكراره واسأل أى عامل فى المدن الجديدة يخبرك كم مرة فى الشهر يتعرض لهذا الموقف واسأل كم صاحب عمل أو تجارة عن عدد المرات إلى اضطر فيها إلى الذهاب إلى الأقسام لضمان عماله.
2- إيقافك فى المترو أو محطة القطار وتفتيشك وتعطيلك عن اللحاق بالعربة الأخيرة وتوقيف الميكروباص التى تركبه وأنت عائد من عملك وإنزالك منه، لأن البيه الضابط يريد تفتيشك والاطلاع على هويتك وتفتيش حقيبتك، ومراجعة كارنيهك قبل الدخول للجامعة وتدوين اسمك فى كشف الدخول والخروج، وسبب الزيارة وتفاصيل عائلتك وتفتيشك ذاتيا وأنت مسافر بين محافظة وأخرى، كل هذا التعذيب وكل هذه المعاناة تتم تحت مظلة المادة ثلاثة من قانون الطوارئ .
منزلك القديم الذى تفاجئ بأن عاليه أصبح سافله بقرار عسكرى يعطى قانون الطوارئ للسلطة حق اتخاذه "أكثر من 400 ألف منزل تم هدمهم بالقرارات العسكرية"، قد يقتحم عليك أحد منزلك بحجة تأمين موكب سيادة الرئيس أو سيادة السفير أو الوزير أو بحجة الاشتباه فى أحد سكان المنزل ولا تعترض، لأن القانون يعطيه الحق. حتى القضايا التى تخصك لا تأمينها فى ظل قانون الطوارئ فقد تفقد فى لحظة حقك فى الوقوف أمام قاضى عادل، لأن قانون الطوارئ يعطيهم الحق فى إحالتك لمحكمة عسكرية.
3- فترة الليل حدث فيها ولا حرج فقد تخرج أنت وأصاحبك فى جماعة ويتم توقيفك وتفتيشك بتهمة التجمهر، وقد يوجه إليك الضابط تهمة قلب نظام الحكم إذا حاول أحدكم أن يعترض على ما يفعله بكم، وياويلك يا سواد ليلك لو كنت مثلا من محافظة وسهران فى محافظة تانية، أول ما سيادة الضابط يشوف بطاقتك ويعرف كده يبتسم وكأنه مسك دخيل أو جاسوس ويهددك بالترحيل إلى محافظتك، وكأنك يعنى مواطن من الهنولولو محتاج لتأشيرة وجود فى تلك المحافظة "هذا حدث معى وتقريبا مع نص الناس اللى أعرفهم ".
لو أنت ماشى على الكورنيش مع خطيبتك قد يعترضك أحد السادة رجال الأمن وتلك هواية بالمناسبة ويبدءون حملة تريقة واستعراض أمام المرأة التى معك.
حياة المواطن المصرى اليومية تحت مظلة قانون الطوارئ لا تتوقف عند ذلك الحد فمازال تليفونه تحت المراقبة "يتم تسجيل الكثير من المكالمات الساخنة التى تدور بين بعض الأزواج على سبيل التسلية واستخدامها وقت اللزوم"وليس التليفون وحده، بل حتى التليغراف أو والخطابات أو البريد الإلكترونى لا يأمن المواطن المصرى الغلبان فى أن يقول فيه ما يريد.
تلك الرحلة اليومية للمواطن المصرى التى يسيطر عليها قانون الطوارئ ويمنح رجال الشرطة الحق المطلق فى التحكم فى تفاصيل حياته الدقيقة الخاصة لا تقف فقط عند سرقة حرية الإنسان أو إفقاده الإحساس بالأمان أو تهديد راحته أو لخبطة حياته أو تدمير عمله ومستقبله، بل تتعدى كل ذلك وتصيبه بخلل نفسى يتغلغل ويتوغل وينتشر وينتقل مثل الوباء ليصيب ويضر الجميع، ولا يستثنى أحد ويضرب العلاقة بين السلطة والشعب فى مقتل، فالمصرى فى ظل قانون الطوارئ أصبح يملك مشاعر مضطربة، يخاف من السلطة ويرتعد منها ويحاول تجنبها والبعد عن شرها، هى بالنسبة له الآن قوة لا تقهر ومصدر شر لا ينتهى وكل هذا يدفعه لاتخاذ موقف عدائى سلبى، فهو يسعى بشكل دائم لإفساد ما يقوم به فيقوم بتعطيل أى شىء يفعله ولا يؤدى المطلوب منه بالشكل الذى يجب، وذلك يبدو واضحا فى سلوك الموظفين، فالموظف المقهور من السلطة يوجه غضبه وعدوانه تجاه المواطنين وتجاه زوجته وتجاه أولاده، وتستطيع أن تفسر على هذا الأساس كميه هذا الفشل الأسرى والعنف الأسرى والجرائم التى انتشرت بلا رابط، هو نوع من العدوانية السلبية يلجأ إليها المواطن الغلبان، حينما يكتشف أنه لا يقوى على مواجهة الدولة فيتحول لمواجهة من يقدر عليه.