مازلنا فى حدث العام بنقابة الصحفيين، التى ظلت فى حالة هدوء وجمود طوال عامين، منذ آخر انتخابات للمجلس والنقيب، ثم استيقظت فجأة، ودخلت حالة من النشاط الزائد. بعد الجولة الأولى. يبدو أن كثيرين كانوا يتوقعون أن تأتى النتيجة محسومة للأستاذ مكرم محمد أحمد. الذى، تصور هو الآخر أنه ذاهب إلى نزهة، وأقنع نفسه أنه قدم ما عليه. بدا أنه يمتلك إجابة لكل سؤال، ورد على كل انتقاد، تصور أنه أقنع الجميع، وأنه فائز بالضرورة. نسى أنه كان قدم برنامجا، ونسى مشروعات الإسكان. و فوجئ بالنتيجة، أو بدا أنه فوجئ.
كانت هناك مؤشرات كثيرة تعلن أن تركيبة الجمعية العمومية اختلفت، وأن هناك شحنات من الغضب والرفض تكومت، تجاه تركيبة عاجزة وغير فاعلة للمجلس كله.
وبدا أن الأستاذ مكرم وحلفاءه من رؤساء تحرير المطبوعات القومية أفاقوا على مفاجأة بما يؤكد أنهم كانوا عاجزين عن توقع النتائج، أو فهم المجتمع الذى يفترض أنهم يعبرون عنه. ومثلما يقال فى حوادث الطرق "اختلت العجلة فى أيديهم" فانطلق بعضهم فى وصلة ارتباك دفعتهم إلى أن يبدأوا هجوما.
وبدا الأستاذ مكرم محمد أحمد وكأنه يريد عمل كل الواجبات المركونة والمكدسة قبل الامتحان بساعات. تغير توجهه مع صحفيى الشعب المعتصمين، وسعى لحل مشكلتهم الموجودة منذ شهور بل وسنوات، ثم قال إنه سعى لاستخراج قرار علاج الكاتب محمد ناجى من مجلس الوزراء، وحاول إصلاح خطابه عن مشروع الإسكان. وتصورت أحيانا أن الصحفيين لو طلبوا من الأستاذ مكرم حكومة جديدة ربما سعى لتقديم وعد بها للجمعية العمومية.
توالت الرسائل القصيرة من الأستاذ مكرم إلى الصحفيين تعلن عن إنجازات متعددة. وهو أمر أثار تساؤلات منها: هل كان من الممكن أن يتم تنفيذ هذه الخطوات لو كان الأستاذ مكرم فاز فى الجولة الأولى؟ ولماذا لم تتحقق طوال عامين كاملين؟
وأيا كانت الإجابة، فإن الجمعية العمومية هى التى ضغطت بالتصويت ليتحقق ما تحقق. ويخطئ بعض رؤساء تحرير الصحف القومية إذا صدقوا ما يرددوه عن "تدخلات حزبية، أو انكشاريات إخوانية، أو تكتلات برمائية"، فكل هذا استمرار لطريقة فى قراءة الأمور، تشبه البحث عن قانون نيوتن فى كلية الحقوق. وهم يعلمون أن تفسيراتهم تفتقد إلى الدقة، وأن نفس الجمعية لم تسمح بفوز مرشحين أقرب للحكومة، وصوتت لآخرين، ليس لأنهم معارضين، بل لأن الصحفيين يريدون التغيير، الذى يكون أحيانا "لمجرد التغيير"، ثم أن الأستاذ مكرم نفسه فاز فى الانتخابات الماضية بفارق كبير، وبأصوات نفس الجمعية العمومية، بما يؤكد أن الجمعية ليس لديها موقف مسبق مهنيا أو إنسانيا. وهذا فى عرف الانتخابات، اسمه تغير الاتجاه وهو سنة الحياة والانتخابات.
لكن الزملاء رؤساء تحرير الصحف الحكومية، يحاولون تقديم تفسيرات أخرى، منها وجود تحالف لضياء رشوان مع الإخوان، وهو ابتكار لزملاء، لا نشك فى ذكائهم المهنى الذى سوف يوسوس لهم بأن ما يقولونه هو محض افتراء. مثله اتهامه بأنه لم يستطع إدارة الأمور.
لقد تحولت الانتخابات بفعل نتائج الأحد، إلى عداء تصحبه شتائم وتجاوزات وأوصاف، لا تليق بصحفيين أو رؤساء تحرير ولا حتى بأى شىء. رسم البعض تصورات أن ما جرى كان تصويتا انتقاميا، لأنهم لا يريدون الاعتراف بتغير الكتلة التصويتية، وتغير نفسية الجمعية العمومية، وهو أمر يشبه تغير المناخ.
ربما يرى البعض أن ما جرى من الجمعية العمومية نوع من الابتزاز، وقد يراه البعض محاولة لاستعادة حق أو تحقيق مكتسبات اجتماعية تغير الأوضاع السيئة. لكن أيضا يجب الاعتراف أن المكاسب التى كانت تقدمها المؤسسات القومية فى السابق تقلصت كثيرا، وطالما نقصت القدرة على المنح، فإن القدرة على الإجبار تتناسب طرديا. ومن حق أى صحفى أن يختار المرشح الذى يريد، من دون أن يتهم الآخرين بارتكاب مؤامرة، نحن نعرف أن بعض رؤساء التحرير الحكوميين يساندون الأستاذ مكرم كنوع من الولاء له، وآخرون فعلوا ذلك بناء على تعليمات، دون أن يعنى ذلك أن رئاسة تحرير صحيفة حكومية تجعل الإنسان أكثر فهما، وإلا كان هؤلاء اكتشفوا التغيير من دورات سابقة. أو حتى اكتشفوا أسباب بوار بضاعة أغلبهم وعجزهم عن الإقناع بالمنطق. وما تورطوا فى ارتكاب أخطاء مهنية أو شتائم فى حق زميل لهم يمارس حقه القانونى فى الترشح والسعى لكسب الأصوات.
ومثلما تورط البعض فى أخطاء تحويل الانتخابات إلى قبلية وعائلية، هناك من حولها إلى حرب بين فصائل سياسية، وهو نفس خطابهم فى كل مرة، مع أن الأمر أكثر بساطة، فقد تغير مناخ الانتخابات فى نقابة الصحفيين، مثلما تغير شكل الصحافة والإعلام، بفعل عوامل كثيرة، منها انفجارات المعلومات والتكنولوجيا. ورأينا الرسائل القصية "إس إم إس" سلاحا ذا حدين فى الانتخابات التى تدور على الهواء، بعد أن كانت نفس التدخلات فى السابق تتم خلف الجدران وفى الغرف المغلقة، لكنها الآن، علنية ومكشوفة، وإلكترونية. وأيا كانت النتائج التى ستسفر عنها انتخابات الإعادة، يجب الاعتراف أن الدنيا تغيرت، والمناخ الصحفى تغير وأصبح بسرعة الإنترنت.