فى الفترة الأخيرة كان الله بنا رحيما وعشنا فترة هدوء دينية طيبة فلم نسمع فتوى غريبة هنا، ولا رأيا مثيرا أو مضحكا هناك، اختفت إلى حد ما الفتاوى من نوعية إرضاع الكبير، ولم تسمع عقولنا رأيا دينيا يفرز إنزيمات التعصب الكامنة فى نفوسنا، وللأسف مضطر لأن أخبركم أن فتنة الفتاوى والآراء الدينية المثيرة قد استيقظت من جديد، والمؤسف أن اللى صحاها من النوم واحد من كبار شيوخنا وأكثرهم مصداقية فى الشارع العربى والإسلامى الآن.
سقط الشيخ الدكتور القرضاوى فى الفخ وخرج عن الإطار الذى نرسمه لشيوخ الاعتدال والتفكير وألقى فى محيط أيام شهر ديسمبر بفتوى حرم فيها الاحتفال بالكريسماس وأعياد رأس السنة، جاءت كلماته قاطعة حاسمة وهو يحث المسلمين على عدم مشاركة الإخوة المسيحيين احتفالاتهم بأعياد الميلاد مستنكرا وغاضبا من وجود زينة الاحتفالات من أشجار وخلافه فى محلات المسلمين، وغاضبا من وجود إقبال إسلامى على شرائها، كان يتكلم عن ضرورة مقاطعة هذه الاحتفالات على غير عادته وكأنه يتحدث عن كفار قريش لا عن إخوة لنا تفصل بين غرف نومنا ونومهم حوائط، أو ننام بجوارهم على أسرة واحدة فى المدن الجامعية والجيش وبيوت الغربة.
لم يتوقف الشيخ القرضاوى عند ذلك بل زاد فى كلامه حينما خاطب فى فتواه المسلمين المقيمين فى الخارج فى دول أوروبا وأمريكا أن يتجنبوا الاحتفالات ولا يشاركوا فيها، وكأنها رجس من عمل الشيطان أو كأن المسلمين فى الخارج فى حاجة إلى مزيد من الاتهامات بالتعصب أو فى حاجة إلى مزيد من الانفصال أو العزلة عن المجتمع الذى يعيشون فيه، وكانت حجة الشيخ فى ذلك غريبة حيث اعتبر ذلك ردا على قرار منع المآذن فى سويسرا، وفتوى الشيخ أسوأ رد إن كنا نبحث عن دمج أكثر للمسلمين فى الخارج فى المجتمعات الأوروبية حتى يصبحوا أكثر تأثيرا فى الرأى العام هناك، وأكثر قدرة على تصحيح صورة الإسلام المشوهة بمزيد من إظهار السماحة والمشاركة، فهل يعقل أن يأتى الشيخ القرضاوى ليسحبنا خطوات للخلف بفتوى مثل هذه؟ ثم أين هو الخطأ الدينى إذا ابتسم مسلم أو شارك إخوانه المسيحيين فى احتفالات أعياد الميلاد طالما أنه لم يرتكب إثما يغضب الله؟ أين هو الخطأ الدينى فى أن يشترى مسلم زينة مبهجة أو شجرة طويلة طالما أنه لن يشترى خمرا أو يمنح صديقته قبلة منتصف الليل؟ ألم يكن أولى يا شيخنا أن تتحدث عن حفلات رأس السنة التى تملأ العواصم العربية وترقص بها دينا ولوسى بدون ملابس تقريبا؟ أليس الأولى أن تخاطب هؤلاء وتحذرهم، بدلا من أولئك الذين يبحثون بزينة أعياد الميلاد وشجرة الكريسماس على فرحة مضافة إلى أيام تعبهم؟
أنا أحترم الشيخ يوسف القرضاوى كثيرا فله من الآراء والحكمة فى التعامل مع المواقف، ما تجعل الكبير فى هذه البلاد مجرد تلميذ فى حضرة مدرسته، ولكنه للأسف سقط فى فخ التعصب هذه المرة وجانبته الحكمة فى فتوى تحريم المشاركة فى احتفالات أعياد الميلاد، واستنكاره لشراء المسلمين زينة الكريسماس، فالأمر يا شيخنا أبسط من كل أنواع التعصب، فلا الذين اشتروا شجرة الكريسماس سيصلون فى الكنائس أو يقدسون الصليب، أو يأكلون من لحم الخنزير ويبلعون بكأس خمر، الأمر يقتصر يا شيخنا على نوع من المشاركة يفرضه الوضع الاجتماعى بشكل طيب، نوع من المشاركة يمكن تكييفه فقهيا إذا أدخلناه تحت بند العادات وليس العقائد، لأننا لا نتصور من المسلمين فى أوروبا أو المسلمين فى الوطن العربى أن يغيروا ديانتهم لمجرد شرائهم شجرة الكريسماس، والأصل فى العادات يا شيخنا كما تعلمنا وقرأنا هو الجواز ما لم نخالف أصلا من الأصول المجمع عليها، أو نحل حراما أو نحرم حلالا، وشراؤنا شجرة الكريسماس أو تهنئة الإخوة المسيحيين أو حتى ذهابنا للاحتفال معهم فى الكنيسة بغرض التهنئة والمشاركة يندرج تحت هذا البند ولا يدخل فى نطاق الحرام، بقدر ما يعتبر تعبيرا شديدا وفاعلا عن سماحة الإسلام واحترامه للآخر.
اشتروا شجرة الكريسماس واذهبوا إلى أصدقائكم وشاركوهم فرحتهم حتى داخل الكنائس، احتفلوا برأس السنة وأعياد الميلاد سواء كنتم هنا أو فى أوروبا، قدموا صورة الإسلام الحسنة، واحتفلوا بالميلاد.. فهو ميلاد نبينا عيسى عليه السلام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة