حنان كمال

العذراء تظهر من جديد

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009 07:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تختار دائما العذراء مريم أحلك الأوقات كى تظهر للمصريين، فعلتها فى إبريل 68، ويقال إنها تفعلها الآن.. ورغم التجلى الأخير المزعوم للعذراء، إلا أننى لا أستطيع أن أجزم أن اليوم يشبه البارحة، الظهور الأول للعذراء فى العصر الحديث كان عقب هزيمة يونية، الهزيمة الأكبر التى ظلت وما تزال عالقة فى وجدان كثير ممن عاشوها وممن لم يعيشوها، الظهور الثانى كان يوم 12 ديسمبر الماضى، يمكنك أن تربطه بهزيمة مصر فى مباراة الجزائر على إستاد أم درمان، ويمكنك أن تربطه بهزائم أخرى، ويمكنك أن تصنع كرة متشابكة من الهزائم لا يبين فيها الخيط الأبيض من الأسود.. هذا هو حال مصر فى 2009 فى سرد ما جرى.
كان يومان فقط قد مر على إعلان عبد الناصر بيان 30 مارس الذى قصد به تصحيح أخطاء الثورة التى أدت إلى الهزيمة، فى الثانى من إبريل 1968، بدأت قصة ظهور العذراء التى اكتشفها أربعة من العمال المسلمين العاملين فى جراج تابع لهيئة النقل العام المواجهة لمقر الكنيسة بالزيتون، اعتقد العامل فاروق محمد عطوة، حسب الشهادة التاريخية، أن ما رآه هو فتاة تحاول الانتحار من فوق قبة الكنيسة فكان أن هتف بها "حاسبى يا ست.. حاسبى لتقعى"، تجمع المارة فى شارع طومنباى لمشاهدة حادث انتحار ليدركوا أنهم بصدد مشاهدة ما اعتقدوا أنه ظهور مقدس للسيدة العذرا، وبدءوا يهللون ويغنون: يلا اظهرى يلا، طلى بنورك طلة، رشوا الورد يا صبايا.. دى العذراء زمانها جاية"، إذا كنت لا تصدق أن اليوم لا يشبه البارحة فهذه نقطة مناسبة كى أحيلك إلى هتافات الذين تجمعوا لمشاهدة الظهور المفترض للعذراء فى الوراق يوم 12 ديسمبر 2009 :"بص شوف العذراء بتعمل إيه"، فارق شاسع بين الشعارات وكأن مريدى العذراء هذه المرة قد جىء بهم من مدرجات الدرجة الثالثة. وأن هزيمتهم مستوحاة من أحداث ماتش مصر والجزائر فعلا.

تشخيص:
هل هى هزيمة كروية تلك التى تدفع شعبا طيب الأعراق كشعب مصر لما يعتقد بعض العلماء أنه خرافة، بينما يعتقد رجال الدين أنه لجوء إلى الله، ما الفارق؟ فى الحالتين هى أمة لا تضع قدمها على طريق للمستقبل ولا ترى الماضى فتتعلق بالسماء.. لكن إذا كانت هزيمة الكرة هى الكهف المظلم الذى ولجنا منه فنحن بلا شك أمة هشة للغاية.
تحليل
1 - فى سنة 1968، اعتبر ظهور العذراء لفتة مقدسة من أم النور إلى مصر كلها، لم يشر أحد من بعيد أو من قريب إلى كون العذراء ظهرت دعما لمسيحيى مصر، فى الواقع لم يكن مسيحيو مصر يعتقدون أنهم بحاجة إلى دعم فى مواجهة النسيج المصرى الذى كانوا جزءا منه بجدارة، لم يكن الأقباط وحدهم هم من يعتقدون أنهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطنى، ولم تكن وحدها تصريحات البابا كيرلس ورجال الدين المؤكدة على أن العذراء جاءت، لأن مصر حسب وصف البابا شنودة "كانت بحاجة لتعزية سياسية"، لكن أيضا كان قيام الرئيس جمال عبد الناصر مصطحبا نائبه حسين الشافعى المعروف بتدينه الإسلامى المفرط، وفى بعض الروايات مصطحبا أسرته أيضا بالتوجه لكنيسة العذراء مريم بنفسه وقضائه ليلة كاملة فى ضيافة أحمد زيدان، بائع فاكهة كانت شرفته مواجهة للكنيسة محملا بالدلالة ذاتها، أن العذراء وأن كانت قد تجلت فهى تجلت من أجل مصر مسلمين ومسيحيين، وأنه إذا كان قد احتفى بها، فإن مصر كلها قد احتفت بها، يقال إن العذراء مريم تجلت تجليا فريدا فى تلك الليلة قرابة الساعة الخامسة فجرا. وأنا أتصور مدعومة من خيالى أن عبد الناصر الذى كان يستعد لحرب الاستنزاف مع العدو قد تعزى بالتجلى المفترض لأم سيدنا المسيح.
2
فى حالة ظهور العذراء 2009، فى مناخ مشحون طائفيا، حيث لا يمر أسبوع إلا وتقع حادثة فتنة طائفية، فإنه من الأرجح أن الخطاب التحليلى لحادثة الظهور إذا صحت سيحيلنا لكونها ظهرت دعما للأقباط فيما يطالبهم من مظالم، وأم المسيح أولى بأقباطها، مما لن يعنى إلا زيادة المناخ الطائفى احتقانا. فى حالة ظهور العذراء 2009، لم يتوجه إلى هناك إلا محافظ الجيزة بصحبة قيادات أمنية وغادر المكان بعدما تم فرض طوق أمنى على المكان، كالعادة فى 2009، تغلب المعالجة الأمنية على السياسية.. حتى لو كان الموضوع يخص ستنا العذراء.
هل ظهرت العذراء حقا؟

أنا بنفسى لا أستطيع الجزم هل ظهرت العذراء أم لا، كونى لم أر بعينى، وكون احترام عقائد الآخرين يقودنا إلى التسليم، بما أقرته لجنة رجال الدين التى شكلتها الكنيسة فى عام 68 التى أكدت فى تقريرها الذى أعلن فى الثانى من مايو، بعد شهر كامل من التحقيقات "أنه قد توالى ظهور السيدة العذراء فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التى باسمها فى شارع طومنباى فى حى الزيتون.. تعبيرا عن ألمها وحزنها، وتعويضا لنا عما فقدناه باحتلال اليهود.. وهى لفتة روحانية من السماء، لها دلالتها.. توكيدا لرحمة الرب بنا ورعايته لنا" .. الكنيسة فى الحادث الأخير أرسلت مصورا يدعى عماد لأخذ بعض اللقطات لظهور العذراء، ولم تظهر العذراء فى وجوده، فاكتفى بالحصول على بعض لقطات الفيديو التى سجلها الأهالى، هل ظهرت العذراء حقا؟ ليس لدى اليقين، هل نحن مهزومون ونستحق إشارة عطف من السيدة المقدسة ؟؟، بالطبع نعم، لكن رغم هذا لا يشبه اليوم البارحة. فيبدو أن كل المياه التى جرت فى النهر عبر أكثر من ثلاثة عقود، جعلتنا أكثر هشاشة فى مواجهة عنف كروى، وهزائم الملاعب أكثر مما كناه أمام هزيمة الجبهة وفى مواجهة عدو حقيقى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة