خالد صلاح

على الهواء مباشرة حكم القاضى أشرف البارودى نائب رئيس محكمة الاستئناف بإدانة سفيرنا فى طرابلس وانتقد الكسل السياسى لبعض قيادات الدبلوماسية المصرية فى الخارج

خطيئة السفير المصرى فى ليبيا

الخميس، 17 ديسمبر 2009 12:27 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أصدق أننى سمعت من السفير المصرى فى الجماهيرية الليبية هذا المنطق المقلوب، وهذه الصياغات المهينة، وهذا التنازل الطوعى عن الحقوق بلا تدقيق أو تمهل، لا أصدق أنه وصل إلى هذا الحد من تبرير كسله السياسى والدبلوماسى بحجج روتينية وبيروقراطية عقيمة، يمكن أن نقبلها من موظف فى أرشيف هيئة حكومية رديئة الإدارة، وليس سفيرا فى وزارة الخارجية المصرية، الأكثر عراقة ورسوخا فى الهيئات الدبلوماسية فى العالم.. سفيرا يمثل بلاده فى عواصم الدنيا، ويعبر عن مصالح شعبه، ويدافع عن كرامته وسمعته فى السر وفى العلن.

السفير محمد النقلى سفير جمهورية مصر العربية لم يتردد فى إطلاق حكم إدانة عاجل بلا معلومات على الصيادين المصريين المحتجزين فى الجماهيرية الليبية، قبل أن يستمع إلى رجل منهم، أو يدقق فيما ورد إليه من السلطات فى الجماهيرية، كان السفير فى طرابلس بينما الصيادون المصريون الذين جرفهم البحر إلى المياه الليبية، محتجزون فى «مصراتة» قيد التحقيق، دون أن يصل إليهم شخص واحد من طاقم السفارة، ومع ذلك قال السفير (ردا على سؤالى له فى لقاء تليفزيونى على الهواء مباشرة) إن الصيادين يخضعون لتحقيق من قبل القوات البحرية الليبية، نتيجة الخطأ الذى اقترفوه بالتعدى على المياه الإقليمية فى منطقة تنعم بحقول النفط البحرية والبرية.

السفير المصرى اعترف ببساطة مدهشة، أن طاقم السفارة لم يحضر التحقيقات التى تجريها السلطات الليبية، وأنه لا يوجد محام واحد من المحامين المتعاملين مع السفارة، سافر إلى مقر الحجز فى «مصراتة» للاستماع إلى أقوال الصيادين، أو معرفة طبيعة الاتهامات التى يجرى بشأنها التحقيق، أو الاطمئنان على حالتهم الصحية، أو التأكد من أن لديهم ما يحتاجون له من طعام أو دواء، أو حتى حمل رسائل لطمأنة عائلاتهم التى تتلوى فزعا على أبنائها على متن هذا المركب الشارد.

لا شىء يتحرك فى السفارة سوى سماعة الهاتف التى ترفعها السكرتيرة ثم تغلقها ثانية، لتتلقى المعلومات من السلطات الليبية، أو عبر وسائل الإعلام المصرية، أو عبر المتطوعين من هنا أو هناك، أما السفير فقد آثر السلامة، وقرر اتباع الإجراءات الروتينية بلا مبادرة قد تفسد دفء الأجواء، أو تعكر صفو العلاقات، فالسفارة هو ربها وحاميها، أما الصيادون فلهم رب يحميهم.

وقبل أن ينتهى السفير من هذه المعلومات الصادمة، كان ضيفى فى البرنامج هو المستشار أشرف البارودى نائب رئيس محكمة الاستئناف، وأحد رموز قضاة (الاستقلال) فى نادى القضاة، يضرب كفا بكف عجبا مما أدلى به سفير جمهورية مصر العربية (العظيمة والرائدة والشقيقة الكبرى)، كأن القاضى المرموق قد أصدر حكما بالإدانة على هذا الموقف الساكن الصامت من السفير محمد النقلى، تساءل البارودى: كيف يقبل السفير بأن يترك الصيادين قيد التحقيق بلا رعاية أو سؤال؟ وكيف يمكن أن يقبل باستمرار هذا التحقيق بلا رعاية قانونية أو إنسانية من جانب السفارة؟

بدا للقاضى أن موقف السفير متراجع، ولا يتناسب مع حجم مصر، أو حتى مستوى العلاقات الرفيعة التى تجمع الدولة المصرية مع قيادة الجماهيرية الليبية، وقال القاضى إن باستطاعة السفير أن يقفز فوق كل الروتين والبيروقراطية لمساندة أبناء مصر فى هذا المأزق، دون أن يسند ظهره إلى مقعده الجلدى، ويحكم بأن الصيادين قد أخطأوا وأنه لا يجوز لأحد أن يحضر التحقيقات التى تجريها السلطات الليبية.

حكم بالإدانة صدر بالفعل على الهواء مباشرة ضد سعادة السفير، حكم بالتقصير على هذا الأداء الراكد لأحد أجنحة الدبلوماسية المصرية فى الخارج، حتى لو كان هؤلاء الصيادون قد أخطأوا بالفعل، فكيف يمكن أن نركن إلى هذه النتيجة دون غطاء قانونى لهم، ودون أن تتدخل السفارة لتضمن معاملة كريمة لرجال، كل جريمتهم أن قذف بهم البحر إلى الجهة الخطأ بحثا عن رزق، كان باستطاعة السفير النقلى أن يوقظ جنرالات السياسة والسلطة فى مصر، ليتوسطوا لدى السلطات الليبية لمساندة الصيادين، كان بإمكانه أن يجرى اتصالات مع مكتب العقيد القذافى مستندا إلى علاقته العميقة مع مصر، ليبحث عن استثناء يسمح له بالاتصال بالصيادين، وما أروع الاستثناءات بلا نهاية فى جميع بلدان العالم العربى من المحيط إلى الخليج.

السفير قرر أن ينتظر، السفير أراد أن يتبع القواعد، السفير لم يشأ أن يقدم على مبادرة، هذه هى التبريرات التى ننتظرها حتما، لكن ما نؤمن به يقينا، أن السفير ترك الصيادين باسم الروتين والبيروقراطية والكسل السياسى، والنتيجة أنهم قد يتعرضون لما هو أسوأ من التحقيق، أو يعودون بما هو أكثر مرارة من عقوبة السجن.

ما ارتكبه السفير محمد النقلى يتجاوز كل حدود المنطق، ولا يليق بجهاز دبلوماسى لدولة كبيرة مثل مصر، بل ولا يليق بقواعد الشهامة فى الغربة، إذا نحينا جانبا كل ما يمكن رصده من أدبيات العمل الدبلوماسى والسياسى فى الخارج، فلا يجوز أن يطلق السفير حكما بالإدانة دون أن يستمع إلى المتهم، ولا ينبغى أن يسلم السفير برواية واحدة دون تدقيق، ولا يجب أن يضعف السفير من موقف الصيادين، وهو يعلم بلا ريب أنهم ما تحركوا إلا أملا فى الرزق، ولم يكن فى نيتهم اختراق المياه الإقليمية، أوالإضرار بالمصالح الليبية العليا، أو العدوان على الثروة السمكية للجماهيرية الشقيقة.

كنا نتحدث كثيرا خلال الأسبوعين الماضيين عن كرامة مصر، وعلمها الخفاق، ومكانتها المرموقة، بينما كان هؤلاء الصيادون بيننا فى قراهم وبيوتهم بعد موقعة مباراة الجزائر فى أم درمان، الآن هؤلاء الصيادون وحدهم فى زنزانة باردة فى «مصراتة» الليبية، يراجعون ضمائرهم ويتذكرون علم مصر الذى هرولوا به فى الشوارع دفاعا عن اسم مصر، وتتردد فى أعماقهم أصداء هذه الهتافات الوطنية المدوية التى انطلقت بها كل الحناجر، ربما يتساءلون الآن عن نصيبهم المسموح به فى هذه الكرامة، وعن مصر التى غضبوا من أجلها فى كرة القدم، كم ستغضب من أجلهم اليوم.. ردا للجميل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة