كان الفرق واضحا بين تيارين.. تيار يخشى على المهنة فجاهد من أجل تغيير يمنحه حق التطوير، وآخر يخشاها فحشد جيوشه للإبقاء عليها فى سجن الدولة والروتين، كان الفرق واضحا بين أولئك الذين ناصروا ضياء رشوان فى انتخابات نقابة الصحفيين، وهؤلاء الذين دعموا الأستاذ مكرم محمد أحمد، وجاء أغلبهم مجبرين ومضطرين، كان الفرق واضحا بين تيار يعى ويدرك الكلمات التى يهتف بها حينما يطالب بالتغيير وبحق الجيل الجديد فى تسلم الراية، وتيار يهتف أفراده بلا وعى وبلا قدرة على صياغة شعارات صالحة للهتاف أصلا، مجرد هتافات قديمة بنوها على معلومات مغلوطة وأعلنوا بها فشلهم مرتين، الأولى كمدعين عجزوا عن ابتكار هتاف جديد فظلوا يرددون تنتخبوا مين؟ وحبيبكم مين؟ وكأنها انتخابات شيخ البلد والعمدة، والثانية كصحفيين فشلوا فى تدقيق معلوماتهم فيما يخص علاقة ضياء رشوان بالإخوان المسلمين.
أعرف أن الانتخابات انتهت بفوز الأستاذ مكرم محمد أحمد واستمراره نقيبا للصحفيين لمدة عامين إضافيين، ولكن للأسف الأستاذ مكرم محمد أحمد بتاريخه العريض لم يعرف أن جموع الصحفيين الذين ذهبوا لتأييد رشوان لم يكن بسبب عيب فيه وهو صاحب التاريخ الطويل والمحترم بقدر ما كان رغبة قوية لجيل جديد فى الحصول على حقه، وأعرف ياعزيزى القارئ أننى أزعجك بمقالة عن انتخابات تتخيل أنت ألا ناقة لك فيها ولا جمل، ولكن صدقنى كل ما يمس هذه الفئة التى تنقل لك الأخبار وتعلق عليها وتكون الرأى العام ستجده مهما بالنسبة لك، فإذا امتلكت الرغبة فى التغيير جموع الصحفيين فستمتلك مصر كلها، وإذا آمن الصحفيون بقدرة صندوق الانتخاب على صنع المعجزات، فستشهد مصر عصرا جديد من الانتخابات النزيهة، وإذا أدرك الصحفيون أن الضغط على الدولة سيأتى بحقوقهم مكتسبة لا ممنوحة، فسيدرك الشعب أن الضغط على الحكومة والغضب من النظام هو السبيل الوحيد لشرب مياه نظيفة بلا مجارى، وأسعار هادئة لا تطالها النار أبدا، وسلطة من حق الجميع أن يتداولوها.
ودعنى أقول لك إن الصحفيين فى مصر لم يصلوا لتلك المرحلة بعد، وبالتالى لن تصل إليها أنت الآن، وبالتبعية ستظل الأمور فى مصر على شكلها الحالى لفترة قادمة، لأن ماحدث فى انتخابات نقابة الصحفيين كشف عن عيوب خطيرة أهمها وجود تيار قوى داخل النظام يرفض فكرة التغيير من أساسها، ولديه من الاستعدادات لتجييش المطاعم والسيارات والقرية الذكية لخدمة أهدافه، ما لا طاقة لنا بمواجهتها الآن، على عكس تيار التغيير الذى يتحرك ببطء ويتخذ قرارات الترشيح فى الوقت الضائع ولا يجهز لمعركته المادية والمعنوية بالشكل الكافى مثلما حدث فى حالة ضياء رشوان بالضبط الذى لم تسعفه إمكانيات حملته الانتخابية لمجاراة وعود الأستاذ مكرم ولافتاته ورسائله التى لم تترك تليفون صحفى إلا ودوشته، العيب الأخطر من ذلك هو وجود قطاع صحفى عريض ينتخب ويمنح صوته مثل فقراء الشوارع وقت انتخابات البرلمان.. يمنح صوته لمن يدفع أكثر بغض النظر عن أى شىء آخر، وقلة هذا الوعى هو سبب خراب مجلسى الشعب والشورى اللذين امتلآ بنواب مهرة فى الحصول على تأشيرات العمل والمصالح الخاصة وفشله فى فهم قوانين الضرائب وزرع الأعضاء ومكافحة الإرهاب.
ما حدث فى انتخابات نقابة الصحفيين أول هذا الأسبوع صورة مصغرة للوضع المصرى بشكله العام، وهى صورة مؤسفة ومقلقة فى جانبها الذى شهد ضغوط رؤساء تحرير صحف الحكومة، ومشرقة فى الجانب الآخر الذى شهد تصاعد رغبة التغيير بحوالى 100 صوت حصل عليها ضياء رشوان زيادة على مرحلة التصويت الأولى رغم كل تهديدات وضغوط رؤساء مجالس وتحرير صحف الحكومة، ورغم كل السندوتشات التى ملأت بطون من رفضوا وسخروا وهاجموا حماس جيل جديد للتغيير!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة