د.أحمد فؤاد أنور

آداب الإسكندرية وابن عمى والغريب

السبت، 19 ديسمبر 2009 06:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى ذروة أزمة حادة بين سوريا وتركيا، قبيل رحيل الرئيس حافظ الأسد، وصلت لحد التصعيد العسكرى، التقى مسئول مصرى رفيع المستوى فى القاهرة برئيس الأركان التركى وطلب منه أكثر من مرة أن يعى أن مصر تتعاطى مع الأزمات على طريقة: "أنا وأخويا على ابن عمى.. وأنا وابن عمى على الغريب". وكانت الرسالة واضحة وقوية، وتدور السنوات وتمر مياه كثيرة فى النهر لتصبح تركيا -التى طالما نظرنا لتقاربها مع إسرائيل بريبة وغضب- فى طليعة الصف العربى عند الأزمات، وأحدث مثال على ذلك الموقف القوى لرئيس الوزراء التركى عند حدوث الهجوم الإسرائيلى الأخير على غزة. والذى وصل لحد مطالبة أنقرة بطرد الدولة الصهيونية نهائيا من الأمم المتحدة. وحدثت قطيعة لنحو عام بين الجانبين لدرجة عدم زيارة أى مسئول إسرائيلى بدرجة وزير لتركيا طوال العام المنصرم.

ويبدو أن مماطلة الاتحاد الأوروبى فى قبول انضمام تركيا له جعلتها تعيد ترتيب أوراقها (تركيا دولة مرشحة للانضمام منذ عام 1999 وبدأت مفاوضات العضوية منذ عام 2004) وهو ما جاء فى مصلحة العرب ومصر بدرجة كبيرة. فبعد أن وقر فى أذهاننا لفترة طويلة الأثر السلبى الكبير الذى تركه الاحتلال العثمانى على مصر، وكيف أنها كانت فترة جمود واستلاب للمواهب المصرية وترحيلها للأستانة. وجدنا الأتراك يؤسسون جمعية للصداقة المصرية التركية.. وهى الجمعية التى تضافرت جهودها مع جهود رجال أعمال تدفقت استثماراتهم بشكل ملحوظ فى الآونة الأخيرة خاصة فى القاهرة والإسكندرية، ولحسن الحظ أن جمعية الصداقة لم تكتف بالكلام المعسول وعبارات المجاملة والإطراء الطنانة، فبادرت ببذل جهد مباشر لدعم التعليم والثقافة فى مصر على أكثر من صعيد ملموس.

وقد أتيح لكاتب هذه السطور أن يتابع تلك الجهود على مدار عام واحد فى كلية الآداب جامعة الإسكندرية، حيث دعمت الجمعية سفر عشرات من الطلاب المصريين الدارسين للغة التركية لتعلم اللغة فى تركيا لثلاثة أشهر متصلة، كما وفرت للخريجين - بل وللطلبة- فرص عمل.

التعاون بين جامعة الإسكندرية وجمعية الصداقة أسفر أيضا عن ترتيب يوم ثقافى تركى شمل استعراضاً للأزياء والرقصات والأغانى والأكلات الشعبية.. فى كلية الآداب، وهو النشاط الذى شارك فيه الطلبة، فضلا عن تبرع جمعية الصداقة التركية بأجهزة تكييف لقاعات المحاضرات الخاصة بقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب، وتبرعها بتركيب زجاج مضاد للصوت فى القاعات التى تحتاج لذلك.

الاهتمام التركى عبر عنه كذلك حضور عثمان آى، وأكرم بك (من جمعية الصداقة) المجلس العلمى لقسم اللغات الشرقية بالتناوب، ومتابعة وحماس لرجل الأعمال إيرديل بك، وذلك فى إطار اهتمام الجامعة باستبيان متطلبات سوق العمل، والاستماع لمقترحات التطوير حتى يكون الطالب بعد تخرجه قادراً على المنافسة.

الرعاية التركية، التى ما كانت لتتم دون ديناميكية ونشاط ومجهود عميد آداب الاسكندرية أ.د أشرف فراج و أ.د سميرة عاشور رئيس قسم اللغات الشرقية، أثمرت عن احتلال جامعة الإسكندرية للمراكز الأولى على المستوى العالمى فى الأوليمبيات التركية، وهى مسابقة تعليمية ثقافية أقيمت مؤخرا فى أنقرة، فقد فازت الطالبتان المشاركتان فى الأوليمبيات (الطالبة إيمان محمد أنور الطالبة بالفرقة الرابعة قسم اللغات الشرقية بالميدالية الفضية فى مجال إلقاء الشعر وفازت الطالبة هبة محمد جابر الطالبة فى الفرقة الثانية قسم اللغات الشرقية بالميدالية البرونزية فى الغناء باللغة التركية)، وقد حضر حفل الختام رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان (وجاء فوز مصر من بين مائة وخمس عشرة دولة) وتم تكريمهما فى احتفال كبير. ليتضح بجلاء أن المنتج الذى تقدمه آداب الإسكندرية حاليا قادر على المنافسة عالميا، وأن الجامعات المصرية حاليا مؤهلة لتخريج من يسيرون على درب د.أحمد زويل، بشرط التخطيط العلمى وتوفير المتطلبات الأساسية للطالب الذى لن يجد صعوبة فى التفوق على أقرانه على مستوى العالم. كما أدى التعاون مع الجانب التركى للإقبال الكبير من طلبة آداب على قسم اللغات الشرقية، الأمر الذى استوجب اختيار الأعداد المطلوبة وفقا للأعلى فى المجموع، وساعد على رفع مستوى شعبة اللغة العبرية واللغة الفارسية فخرج من الكلية متخصصون وباحثون متميزون على أهبة الاستعداد لمد يد العون للمؤسسات المصرية التى تحتاجهم للعمل بها، كل هذا بعيدا عن المطالبة التقليدية بضرورة زيادة ميزانية البحث العلمى والجامعات فى مصر.

فهل تحرك تجربة "ابن العم" التركى فى مصر رجال الأعمال المصريين والعرب.. الأشقاء؟ وهل يمكن تطوير تجربة آداب الإسكندرية والاستفادة منها بشكل يتجاوز حدود كلية الآداب؟ مع الوضع فى الاعتبار أن تشجيع البحث العلمى فرض عين على كل قادر فى إطار المنافسة مع "الغريب" الرابض على حدودنا وينفق على البحث العلمى أضعاف ما ننفقه، وفاز منه 9 بجوائز نوبل، فقد فاز خلال العقد الأخير فقط 5 علماء إسرائيليين بالجائزة، ناهيك عن ظهور جامعاته المستمر فى قائمة أفضل جامعات فى العالم. البحث العلمى قاطرة نحتاج إليها بقوة لتدفع المجتمع فى جميع المجالات للأمام، والتجربة التركية مع آداب الإسكندرية تستحق المتابعة والرصد والتحليل، لعل الأشقاء يتحركون فنتخطى الغريب.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة