كلما قابلت الصديق الكاتب والصحفى الجميل حمدى عبد الرحيم أسأل نفسى: لماذا هو من صنف البشر الذين لم تغادرنى لحظات التعارف الأولى بهم رغم أن 15 عاما أو أكثر مرت عليها؟.
ربما يعود ذلك إلى أنه من الذين عاهدوا الله على الصدق مع أنفسهم فى كل مكان وزمان، ولأنه كذلك، ظل عندى مرآة صدق فى المرة الأولى التى قابلته فيها، وبقيت نفس المرآة فى كل المرات التالية، وفى يقينى أنه سيبقى كذلك إلى ما شاء الله.
حمدى عبد الرحيم هو من عباد الله الذين فصل عليهم شاعرنا الكبير العظيم فؤاد حداد قوله الجميل: "الخضرة فى قلبى وقلبى.. ديما على طرف لسانى.. ولسانى حصانى رمانى من قوله فى الحكايات".
لم يعد لسان حمدى عبد الرحيم هو حصانه الوحيد، وإنما أصبح قلمه أيضا حصانا يكتب حكايات جميلة كما فى كتابه الجميل "فيصل.. تحرير.. أيام الديسك والميكروباص"، وهو الكتاب الذى أعتذر لصاحبه عن تأخرى كثيرا فى الكتابة عنه رغم استمتاعى به فى قراءته المرة الأولى، وبعد القراءة الثانية التى فرغت منها منذ أيام قليلة تأكدت أن حمدى كتب تحفة أدبية جميلة تقترب من أدب السيرة الذاتية التى يدون فيها الكاتب محطاته اليومية بما له وما عليه.
سجل حمدى يوميات أخذت شكل وأسلوب التيمة الشعبية، فهو يروى ما رآه وما شاهده وما انغمس فيه من خلال استخدام الميكروباص كوسيلة يومية للتنقل من مقر سكنه إلى مقر عمله، فى الميكروباص شاهد بشراً يتحدثون ويدبرون حالهم، وينقل فى ذلك أحاديثهم التى تقابل أى إنسان يستخدم هذه الوسيلة فى تنقلاته، لكن الفرق بين حمدى والآخرين، أنه التقط تلك الحكايات وجعل منها جواهر أدبية ناصعة الشكل والمضمون.
وتتجلى براعته فى مزج هذه الحالة الشعبية، مع حالة أخرى وهى الحالة الداخلية فى صناعة الصحف التى لا يعرف القارئ عنها شيئا، وفى القلب منها رجال الديسك، فقارئ الصحف لا يعرف غير الصورة الأخيرة من أى صحيفة تقع فى يديه، فهو يجهل أن وراء كل تحقيق أو خبر أو حوار صحفى جميل جندى مجهول اسمه "ديسك"، وفرد الديسك هذا قام بعملية التنظيف والتشطيف والتهذيب لما كتبه صاحب التحقيق أو الخبر أو الحوار، ورغم هذه المهمة الكبيرة والثقيلة فإن صاحب الموضوع الذى يرى القارئ اسمه عليه هو الذى يجنى الثمار كلها، والمؤكد أن القارئ لا يعرف أن الموضع الصحفى الذى بين يديه رغم جماله كان أقرب إلى "الهدوم المهللة"، لكنها هى ضريبة المهنة.
يقسم حمدى بذائقة شعبية جميلة ركاب الميكروباص أنواعا ورجال الديسك أنواعا، وبين هؤلاء يذكر حمدى أسماء وصحفاً وحكايات وأسرارا تدور فيها، لكن الأهم فى كل ذلك أن من يقرأ الكتاب سيتحسر على حال القاعدة الصحفية العريضة التى لا يعرف معظمها الفرق بين الاسم والفعل وحرف الجر، لكن وبقدرة قادر يقوم رجال الديسك بضبط القواعد وإصلاح الاعوجاج.