الدكتور محمد البرادعى المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية، رجل تسلطت عليه الأضواء فى فترة حاسمة من تاريخ العالم، ربما لايتذكر أحد المدراء السابقين للوكالة الذرية قبل البرادعى، لأن الوكالة نشطت فى وقت تصاعد فيه اليمين الأمريكى، وشنت فيه حروب، أخطرها غزو العراق، والتحرش بإيران.
البرادعى بدا فى حالة شد أحيانا وجذب فى أحيان أخرى مع الولايات المتحدة. بل إن البعض نظر له بارتياب على أساس أنه ينتقد ترسانة إسرائيل النووية، رغم أنها لم توقع على اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية. انتهت مهمة الدكتور البرادعى وغادر مكانه كموظف دولى، فهل يمكن أن يتقاعد ويدخل حيز النسيان بعد أن كان تحت الأضواء ويمتلك سلطة موظف دولى كبير؟
البرادعى نفسه قال إنه يريد أن يستريح ويكتب، ربما يكتب مذكراته، ليعيد توضيح الكثير من المواقف التى غمضت، خاصة وأن النظرة له من جانب مواطنيه والعرب شابتها الريبة لفترة ، فقد بدا فى بعض الأحيان قريبا من السياسات الأمريكية العدوانية، ثم بدا أحيان أخرى معارضا للسياسات الأمريكية ضد إيران، وظل البعض فترة ليعرف أن الموظفين الدوليين ليسوا سياسيين، بل دبلوماسيين يعملون فيما هو واقع وليس ضمن خطط وطموحات.
فهل يمكن أن يكون الدكتور محمد البرادعى صادقا فى الإعلان عن تقاعده أو اعتزاله، والتفرغ للكتابة، ليغادر أى نوع من السلطة، أم أنه قرر أن يعود إلى أهله أو وطنه ليمارس عملا ما، الموظفون الدوليون عادة بعد التقاعد يجدون أماكنهم محجوزة فى أوطانهم، التى تكون فى حاجة إلى علاقاتهم أو مجهوداتهم، مثلما جرى مع الدكتور بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وأول عربى يشغل هذا المنصب فى تاريخ المنظمة.
الدكتور بطرس غالى حرص على أن يظل فى دائرة الضوء، وبعد الأمم المتحدة تقبل رئاسة المنظمة الفرانكفونية،. ثم إنه قبل رئاسة المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مصر ولا يزال يطمح إلى السلطة التى يعشقها وعلى استعداد لقبول أى موقع يجعله قريبا من السلطة أيا كان نوعها.
فهل يمكن أن يكون الدكتور البرادعى مثل غالى طموحا للسلطة من أى نوع، وهل يقبل أن يتولى مناصب شرفية أو روتينية فى مصر أو أى منظمة عالمية؟ هذا يتوقف على مدى طموح الرجل إلى السلطة.
وقد داعب البعض هذه الطموحات لدى الدكتور البرادعى عندما رشحه البعض لرئاسة الجمهورية فى مصر، وقد تملص الرجل من الأمر بلباقة، فلم يرفض بوضوح، لكنه اشترط توافر ضمانات معينة، يعرف أنها لا تتوافر ولا ينتظر توافرها. وفى الوقت نفسه لم يتورط فى تصريحات يمكن أن تقطع طريقه إلى موقع فى مصر. فهو فى النهاية موظف دولى اعتاد التعامل بما فى يده من أوراق، وليس ما فى تصوره من أحلام.
لكن البرادعى ظهر فى نهاية مشواره زاهدا فى السلطة، ربما بفعل اللحظة التى تزدحم بمشاعر متناقضة كما قال هو نفسه. فهل يتشبه بالدكتور بطرس غالى الرجل الذى ينتظر السلطة دائما، ويعتبرها " بدر البدور"، أو الهبة التى بشره بها عراف يوما ما. لكنه اختار نوعا من السلطة لا يناطح أو ينافس، بينما البرادعى، موضوع فى مكان بشكل قسرى، بعد أن رشحه جمهور مفاجيء لدور ربما لم يحسب له حساب.
أما عن وجه الشبه بين رحلة غالى والبرادعى، فإن كليهما نظر له أهل وطنه بارتياب بعض الوقت، ثم اكتشفوا أن المنصب الدولى، جزء من لعبة كبرى تتطلب مهارة وقدرة هائلة على المناورة. فقد اصطدم البرادعى بالإدارة الأمريكية، لدرجة هددت استمراره فى موقعه، كما أن بطرس غالى فقد فرصة التجديد له كأمين عام للأمم المتحدة لأنه تمسك بإصدار تقرير يدين إسرائيل فى مذبحة قانا.
وكثيرا ما يتساءل البعض عن فائدة وجود مصرى على رأس منظمة دولية، هل يفيد مصر، ربما ليس مباشرة لكنه يضيف لصورتها أكثر مما يمكن أن يفيدها مباشرة. وقد كان البرادعى وجها مشرفا لمصر لكونه أدى أداء متوازنا، ونفس الأمر بالنسبة للدكتور بطرس غالى. لكن لا أحد يعرف مدى طموح البرادعى للسلطة وهل يشبه غالى، أم يعتزل ليختفى مثل سابقيه، هذا ما سوف تكشفه الأيام القادمة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة