لا تزال أصداء الأزمة بين مصر الجزائر وتوابعها مستمرة ولم تهدأ حتى الآن، فعلى مدى الأيام الماضية تلقيت عشرات الاتصالات من أصدقاء لى ولمصر فى السودان الشقيق.. لا أبالغ إذا قلت إن أغلبهم سألونى سؤالا واحدا. ماذا جرى للإعلام المصرى؟ وما هو السر فى الردة القومية التى سيطرت فجأة على كافة منابره الإعلامية المقروءة، والمسموعة، والمرئية؟..
من بين ما قالوه أيضا إن الإعلام المصرى كان بمثابة المدرسة التى تحرض الأشقاء باستمرار على التضامن والوحدة.. لكن ما حدث فى أعقاب اللقاء الكروى بين منتخبى مصر والجزائر فى أم درمان كان صدمة ليس للأشقاء فى السودان وحدهم، بل كان مفاجأة لكثير من الإعلاميين العرب الذين ترعرعوا على ينابيع الفكر القومى المتدفق من معين الثقافة والإعلام المصري.
أحدهم قال لى إن النار تبدأ من مستصغر الشرر وأن نيران الغضب السودانية أشعلتها كلمات وعبارات مسيئة بحقهم، انطلقت من حناجر بعض الإعلاميين المصريين الغاضبين مما جرى فى أم درمان.. لكن ما زاد الطين بلة تمادى بعض المعلقين الرياضيين لدرجة وصلت إلى حد دعوة الجيش لنجدة المشجعين المصريين بزعم ضعف الأمن السودانى وعدم قدرته على حمايتهم.. هذه الدعوة فجرت بركان الغضب داخل نفوس الكثير من السودانيين.
من جانبى اجتهدت فى تهدئة هؤلاء الأصدقاء محاولا التماس الأعذار لكل ما صدر عن النقاد والمعلقين تجاه السودان وشعبه فى أعقاب اللقاء الكروي.. كما لفت أنظارهم إلى أن القيادة المصرية أدركت ذلك مبكرا وأرسلت كلا من وزير الخارجية أحمد أبو الغيط برفقة الوزير عمر سليمان إلى الخرطوم لتقديم الشكر للحكومة السودانية على ما قاموا به من جهد وواجب قبل وبعد تلك المباراة وما شابها من أحداث مؤسفة..
بعض الإخوة السودانيين قبلوا وتفهموا الأمر لكن البعض الآخر، لم يقتنع بأى تبرير.. الفريق الثانى اعتبر "زيارة أبو الغيط وسليمان" أنهت الغضب الرسمى، لكن الغضب الشعبى مازال قائما، فهناك حوالى 50 ألف رجل أمن شاركوا فى عملية تأمين هذا الحدث ولم يقصروا فى حدود إمكانياتهم.. هؤلاء جميعا فى حاجة لاسترضائهم وتطييب خواطرهم !!".
الآن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة.. لماذا لا يبادر نخبة من النقاد والمعلقين، والرياضيين، وبعض الفنانين والمثقفين بتنظيم رحلة ودية إلى الخرطوم خصوصا بعد بدء ذوبان الجليد فى العلاقات المصرية الجزائرية بزيارة مستشار بوتفليقة الأخيرة إلى مصر.
كلى ثقة وأنا أطرح هذه المبادرة بأن وقعها سيكون عميقا ومؤثرا ليس فقط على رجال الأمن السودانيين الذين لم يتذوق بعضهم طعم النوم لعدة أيام متواصلة قبل مباراة أم درمان، بل أتصور أن تأثيرها الإيجابى سيمتد إلى إحياء روح الأخوة والجيرة التى تربطنا بالشعب السودانى منذ أمد طويل.
أٌدرك جيدا مدى حساسية العلاقة المصرية السودانية، لذلك أتوقع أن مبادرة من هذا النوع كفيلة بضخ الدماء فى شرايين العلاقة بين شعبى شمال وجنوب الوادى من جديد، فضلا عن أن مثل هذه الخطوة ستغلق الباب أمام المتربصين هنا وهناك لتعكير صفو العلاقات المصرية بالأشقاء.
أحد الزملاء السودانيين أبلغنى أن هناك معلومات هامة لم يتثن للإعلام المصرى الإطلاع عليها، ولم يعط لنفسه الفرصة لمناقشتها فى إطار من الهدوء والموضوعية.. أبرز هذه المعلومات أن السلطات الجزائرية قدمت للحكومة السودانية قائمة من الوعود البراقة منها على سبيل المثال، إنشاء صالة سفر على أحدث طراز فى مطار الخرطوم بدلا من تلك التى دمرها المشاغبون الجزائريون، وإطلاق اسم السودان على أحد شوارع العاصمة، وإعفاء أبناء الجالية السودانية بالجزائر من المصاريف الدراسية، وتوقف المنتخب الجزائرى بالخرطوم قبل توجهه إلى جنوب أفريقيا فى المونديال، واصطحاب 5 آلاف مشجع سودانى على نفقة الحكومة لتشجيع الفريق الجزائرى فى جنوب أفريقيا.. بالإضافة إلى وعود أخرى فرعية ترتبط بتعويض وإصلاح التلفيات التى دمرها الجمهور الجزائرى عقب انتهاء المباراة، ومهما كان المغزى من وراء تلك الوعود فإن هذا لا يعنينا لا من قريب ولا من بعيد بقدر ما يعنينا الحفاظ على أواصر الحب والإخاء التى تجمعنا، فكل دولة لها حرية مطلقة فى تحديد علاقاتها بالآخرين، ولا يمكن لأحد التدخل بأى حال من الأحوال فى أى شأن داخلى.
أخيرا إذا كانت مباراة أم درمان وتوابعها دفعتنا لخسارة مصالحنا مع الجزائريين أكثر الشعوب العربية حبا وتقديرا لمصر، فهل من المعقول أن نسمح بخسارة السودانيين، أقرب الشعوب العربية وأكثرهم ودا لنا؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة