لو سألت شخصاً له مثل ظروف البرادعى فى الوقت الحالى، وكل هذا الجدل المثار حول ترشحه للرئاسة، عن أكبر مخاوفه، لأجابك بأنه يريد فقط من معارضيه أن يكفوا ألسنتهم عنه، وألا يؤذى شخص لمجرد أنه أبدى تعاطفا مع طموحه نحو ما يسميه "مستقبل أفضل لمصر"، فالحملة التى تعرض لها البرادعى بعد شروطه الأخيرة أعطت إشارات قوية من مهاجميه بأنه لا خط أحمر لديهم حتى إن تلميحات العمالة كانت أكبر من أن تخفى، واتهامه بالتواطؤ ضد العراق كان صريحاً، مثلما فعل محمد على إبراهيم فى جريدة الجمهورية، والقول بأنه يريد انقلابا دستوريا، كما فعل أسامة سرايا فى جريدة الأهرام، حتى أن وصمه بالجهل عما يجرى فى مصر صار أسهل بكثير من مناقشة شروطه للرئاسة.
تلك الإشارات تجر البرادعى ومؤيديه شيئاً فشيئاً إلى ما يسمى فى مصر "حظيرة المعارضة"، وهو الاسم الأكثر "لطفا" لهذه الفئة، فهناك من يسميهم "القلة المندسة" أو "الحاقدون" و"المارقون" و"التنظيم المنبوذ"، وتلك الأخيرة هى أعلى مراتب التنكيل بهذه الفئة، فكلمة تنظيم وحدها تعنى أن "ثمة عملا سريا يجرى"، أما "المنبوذة" فهى تهذيب لمعانى أكثر خبثاً قد تصل إلى حد "تنفيذ أجندات خارجية".
وفى مطاردات الأمن لاجتماعات الإخوان بوصفها جماعة "محظورة" قانونا، والأخبار التى تتواتر يومياً حول اعتقال عدد من أعضائها بتهمة عقد اجتماعات تنظيمية والانضمام لجماعة محظورة، من المتاح هنا أن تقفز صورة البرادعى لتتصدر الصورة بوصفه صاحب الإجماع الشعبى الذى يهدد شعبية الإخوان بقوة، خاصة وأن الأخيرة تضربها أزمات الانتخابات الداخلية ورحيل المرشد العام، والصراعات داخل مكتب الإرشاد.. فى هذه الحالة من غير المستبعد أن يرتبط اسم البرادعى بتنظيم مناوئ، وترى يومياً من يتعرضون لهجوم قاسٍ أو اتهامات على شاكلة "محاولة الانقلاب على الشرعية وتهديد الأمان الاجتماعى وتفتيت النسيج القومى"، تطول مؤيديه لأنهم فقط انضموا إلى "تنظيم البرادعى".
ومثلما تسمع من حين لآخر عن تنظيم جهادى أو تكفيرى أو حتى من أذيال الشيوعية، تسعى جميعها لقلب نظام الحكم أو تطبيق شريعة ما، أو الإعداد لتفجيرات فى أماكن حيوية، لتستحوذ هذه القضايا على تفكير الناس فترة من الزمن بغض النظر عن حقيقتها، ليس غريباً أن يكون "تنظيم البرادعى" أحد هذه الحلقات التى ستأخذ وقتها وتمر، ليكون الخاسر الوحيد فيها هو الدكتور محمد البرادعى نفسه، لأن طموح الترشح للرئاسة لن يكون فقط نوعاً من المعارضة، إنما فى حالة حرب سياسية غير شريفة سيلقاها البرادعى، وليس مستبعداً أن ينتقل هذا الطموح إلى مربع "الخيانة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة