جرت العادة أن يلوم الجميع مصر.. فى أى مناسبة وحول أى قضية.. أبناؤها المأزومون بفعل الظروف الاقتصادية وغياب مناخ الحريات والأشقاء العرب الذين كانوا لعقود طويلة يتغنون فقط بمواجهتها لأعداء الأمة، بينما يدفع المصريون الثمن من دمائهم واقتصادهم وتطورهم السياسى.
حدث ذلك فى الحروب الماضية منذ نشأة الدولة العبرية، وحدث فى مباحثات السلام معها، التى أثبتت شهادات رجال المرحلة أن سوريا والسعودية والفلسطينيين كانوا يعلمون بتفاصيلها ومدعوون للمشاركة بها، كما يحدث ذلك الآن فى القضية المسماة بالجدار الفولاذى.
طبعاً ليس القصد هنا هو الدفاع عن وجود ما يسمى بالجدار الفولاذى فى وجوه إخواننا الفلسطينيين، لكنى أحاول تقليب الأمور بحثاً عن منطق.. أيهما أسبق وأجدى بالمواجهة.. حصار إسرائيل الغاشم لقطاع غزة، الذى يُعد بحق ووفق القانون الدولى جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، أم سعى الإدارة المصرية لضبط عمليات التهريب بين سيناء وقطاع غزة، وبالمناسبة ليس كل ما يتم تهريبه هو الغذاء والدواء أو حتى السلاح لإخواننا المناضلين فى القطاع، الذين يجب دعمهم والوقوف إلى جانب حقهم المشروع فى مقاومة الاحتلال.. لكن كثيراً من أعمال التهريب أصبحت تشكل نوعاً من البيزنس الخطر لكبار أصحاب نفوذ على جانبى الحدود من أهالى سيناء ومسئولى القطاع، الأمر الذى أصبح يورط الإدارة المصرية فى قضايا لها علاقة بتوازنات القوى فى المنطقة وضغوط الولايات المتحدة على إيران.
من ناحية أخرى، لا يمكن أن تسمح الإدارة المصرية، بخنق قطاع غزة أو تحقيق حصاره وفق سيناريو الاحتلال الإسرائيلى.. أعتقد ذلك، وأنا مجرد مراقب من الخارج، لأن خنق قطاع غزة لا يحقق إلا الضرر للمصالح المصرية وحدودها الشرقية، وهو ما تريده وما تدفع إليه وما تصوره إسرائيل وإعلامها النشط عربياً، بل وفلسطينياً أحياناً.
الغريب أن المدافعين عن الأنفاق، خصوصاً "غير الشرعية" منها، المستخدمة فى أنشطة إقليمية، يزعقون بصوت عالٍ وكان الجريمة مصرية وليست إسرائيلية، وكان التواطؤ على أهالى القطاع الشرفاء مصرياً وليس دولياً والعالم كله مسئول عنه، وهنا لابد وأن نستدعى المنطق وأن تتوجه القوى نحو أهداف حقيقية غير مفتعلة.
مثالاً.. أين دور جامعة الدول العربية وهى المنظمة الإقليمية المعنية بالشعب الفلسطينى أولاً، من تحريك قضية الحصار الظالم وغير الإنسانى على أهالى غزة فى المحافل الدولية؟.. أين جامعة الدول العربية من حشد دول منظمة المؤتمر الإسلامى لتشكيل جبهة كبرى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة وانتزاع قرار بالأغلبية المطلقة تحت بند الاتحاد من أجل السلم؟ لنصرة الشعب الفلسطينى وإجبار قوات الاحتلال الإسرائيلى على فك حصارها الغاشم للشعب الفلسطينى مع العلم أن إمكانية هذا القرار واردة، قياساً على ما تحقق من قبل تحققه، بعيداً عن "فيتو" مجلس الأمن وتعنت القوى الكبرى وانحيازها ضد إقرار الحق الفلسطينى.
هكذا يمكن وضع المسئوليات عربياً وإسلامياً فى مواضعها الصحيحة، ولنعرف ساعتها من يناصر الشعب الفلسطينى فى محنته ومن يتخاذل ويسهم فى حصاره.. من يطبل ويزمر لوجهة النظر الإسرائيلية.. ومن يدعم إخواننا الفلسطينيين بيد، ويدافع عن ثغوره بيده الأخرى.. ولتسألوا عساكرنا وشهداءنا الذين يتساقطون برصاص الغدر كل حين وهم يسهرون على سلامة جبهتنا الشرقية. واسألوا إخواننا فى القطاع، لا مناً ولا أذى والعياذ بالله، عن شريان الحياة المصرى الذى يبقى القطاع مقاوماً وحياً رغم جنون الحصار وسعار الاحتلال وغفلة الأشقاء المتنعمين على شواطئ أوروبا أو شواطئ "نتانيا" الإسرائيلية.