تعالى نتكلم بصراحة وبدون تعصب.. فى مصر لدينا نظام حاكم يعانى من إفراط فى ديكتاتوريته وتسلطه وظلمه، ويريد أن يطبق على أنفاس هذه البلد طالما أنفاسه هو مازالت على قيد الحياة، لا يريد بجواره جماعات ضغط أو تيارات بديلة أو حتى بذرة تنمو لها أغصان لتيار قوى قد ينافسه فى المستقبل، كلنا نعرف ذلك ونتفق ونختلف معه بنسب متفاوتة، والمنصفين منا يعرفون ويعترفون بأن جماعة الإخوان المسلمين كانت التيار الوحيد فى مصر المؤهل تنظيميا وجماهيريا لمواجهة نظام الرئيس مبارك.
كان لدى الإخوان كل شىء .. ألاف الأعضاء المنتشرين فى كل بقاع مصر وتحركهم مكاتب إدارية منتظمة كما انتظام عقارب الساعة، وشباب متحمس أثبتت التجارب أنه قادر على إشعال جامعات مصر فى خمس دقائق، وشخصيات بارزة منتشرة فى قطاعات الحياة المختلفة، وقطاعات شعبية متعاطفة إما بالاقتناع أو بالافتنان، أو بالعند فى الحكومة المصرية، بخلاف كوادر ورموز تحظى برضى الجميع مثل عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان، وعقول تجيد الألعاب السياسية بحرفنة مثل خيرت الشاطر ومحمد على بشر ومحمد حبيب، ونظام حكم يضرب بغباء ويستعدى الناس بلا حساب للدرجة التى تجعلهم يتمنون أى بديل، وقبل كل هذا وذاك كان للإخوان شعار الإسلام هو الحل فى بلد يحن ويخضع أمام كل ما هو دينى.
امتلك الإخوان كل هذا وتصدروا به المشهد السياسى كمنافس رئيسى للحزب الوطنى حتى ولو كان من بعيد، بل وكان فى صورتهم التى تم تصديرها للجمهور ما هو أهم من كل ذلك، حالة النظام التى كانت تبهر من هم فى السلطة قبل أن ينبهر بها رجل الشارع العادى، والتى نجحوا من خلالها فى الإبقاء على صورة الجماعة نظيفة بلا مشاكل، نقية بلا خلافات، قادرة على طول الخط أن تتخذ القرارات وتحل مشاكلها وتسير فى طريقها مهما كانت العواقب حتى ولو كانت سجن 60% من قادتها مثلما حدث فى المحكمة العسكرية الأخيرة.
أين ذهب كل ذلك؟ كيف سقط العملاق الإخوانى بهذا الشكل؟ لماذا أصبحت الجماعة التى لم نكن نسمع لخلافاتها صوتا صاحبة المناشيتات الساخنة فى صفحات النميمة؟ لماذا أصبحت الجماعة التى كانت تفتخر بنظامها وبنايانها المرصوص هى ملكة الانشقاقات والتصريحات المتضاربة؟ ما الذى حدث فى الجماعة الربانية التى صدرت زهدها فى كل شىء للجمهور وحولها إلى ساحة للصراع على المناصب الدنيوية؟
أرجوك أنا لست فى حاجة إلى أى إخوانى ليقول إن ما يحدث خلافات عادية، لأن تصريحات محمد حبيب وكلام العريان وتعليقات محمد بديع لا تقول ذلك أبدا، وبالطبع لن أقبل هذا التفسير الساذج الذى يؤمن به الكثير من الإخوان ويقول بأن ما يحدث فى الجماعة حاليا هو شىء متفق عليه فى إطار لعبة سياسية محكمة، لأن فشل الجماعة فى اختيار مرشدها حتى الآن وكل هذه الاتهامات المتبادلة أحدثت شروخ فى الصورة الإخوانية لدى الشارع المصرية بقدر لم تفعله كل حملات الهجوم الحكومية السابقة.
ربما لو تعامل الإخوان مع ما يحدث داخل الجماعة على أنه حقيقة واقعة، ولخبطة طبيعية تحتاج إلى إعادة نظر فى شئون الجماعة وطريقة إدارة مكتب الإرشاد سيكون أفضل للإخوان من نغمة أن كل شىء تمام، لأن الواقع يقول بضمير مرتاح إن الجماعة الآن خسرت كل مؤهلاتها التى كانت تمنحها تواجدا مضمونا على الساحة، لأن الناس فى الشوارع ليست مستعدة لأن تراهن على تيار يتشقق من أجل الصراع على المناصب، أو يغرق فى شبر مية وهو يختار قادته.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة