ننام دائما فى حضن فضائحنا، ونغطيها على حساب المستقبل الذى تظهر ملامحه فى الأفق وهو عريان ومفضوح فضيحة بجلاجل، نعيش أزمة فى التربية وأزمة فى الحفاظ على كرامتنا ولا نعترف بذلك، ونرفع شعار المجتمع الطاهر الشريف العفيف الذى لا يخطئ أبدا، حتى تأتى صدفة وينكشف المستور، فنصاب برعشة وكأن ثعبانا غريبا قرصنا، مع أننا ـ ودون أن ندرى ـ كنا ننفخ فى المزمار الذى يجعل الثعابين تخرج من جحورها لتتلوى.
هى دقيقة واحدة.. مجرد دقيقة تضع يدك فيها على تلك "الفأرة" المسالمة وتحركها يمينا ويسارا وتنقر كليك يمين لتختار موقع تحميل وعرض مقاطع الفيديو المعروف باسم "يوتيوب" لترى مصر أخرى، وطنا آخر غير ذلك الوطن الذى نغنى له ونغنى عليه، مصر بدون تصريح كاذب فى نشرة أخبار التاسعة، أو انتصار وهمى مكتوب فى الصفحة الأخيرة لكتاب التاريخ بتاع تلاميذ الابتدائى، بدون صورة تجميلية فى صدر الصفحات الأولى لصحف الحكومة.. مصر التى لا تكذب أبدا موجودة هناك على هذا الموقع الغريب، موجودة بالصوت والصورة هى وفضائحها التى تنام فى أحضانها نوما لم يصرح به مأذون أو حتى ورقة عرفى شهد عليها اثنان من المساطيل.
كاميرا صغيرة فى كل موبايل ترصد وتتابع ما يدور فى الشارع وتنقله بدون مونتاج أو تدخّل إخراجى أو سيناريو مكتوب سلفا.. فتظهر فى الفيلم مصر العارية التى أصبحت عيوبها الصغيرة وحوشا كبيرة لا تكفى أسلحة الدعاء أو المذكرات التاريخية فى العظمة لتغطيتها.
مصر التى يرى العالم كله بناتها فى أوضاع مخلة وشاذة على "اليوتيوب" أو فى الفيديوهات التى يمكنك أن تلتقطها بالبلوتوث وأنت فى أى مول تجارى، بينما الآباء يفتخرون فى جلساتهم بأنهم يكسرون للبنت التى تفتح شباكها لتخطف نظرة من ابن الجيران 24 ضلعا، مصر التى يغش فيها العامل ويرتشى فيها الموظف وتُزَوَّر فيها الانتخابات ويعذب فيها المواطنون على أيدى الشرطة ويصرح رئيسها ويعد منذ 29 سنة دون أن يوفى بوعده.. هذه هى مصر التى يراها العالم كله على هذا الموقع الإلكترونى.. يراها حقيقية بدون تلك العدسات التى تجعلنا نراها نحن وهى منزهة عن العيوب فلا نتحرك لإصلاح حالها.
الموبايلات أم كاميرا التى تتوغل وتنتشر وتتسرب لتلقط ما هو تحت البلاطة، تقول إننا لم نعد فى حاجة لكشافات نور أو كلاب مدربة أو مخبر ماهر أو حتى جاسوس فى مهارة "جيمس بوند" لكى يكشف لنا ما يدور فى الأماكن المظلمة.. فقط نحتاج لمن يسترنا فى أيام العرض على الأجانب، إما أن يرأف بحالنا ولا يضع المزيد من كليبات الفضائح، وإما أن نستيقظ نحن لنواجه تلك الفضائح ونقتلها مع سبق الإصرار والترصد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة