حمدى الحسينى

الذئب.. الرمادى!!

الأحد، 27 ديسمبر 2009 07:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"لما انفتح باب بيتنا فى القاهرة.. تدفقت على رأسى دنيا جديدة، كانت على الحائط صورة. الصورة مفاجأة بل إن الصورة كانت دعوة إلى وليمة تاريخية شهية، شىء غريب، فلم تكن صورة لمصطفى كامل الزعيم المصرى، ولا صورة للملك. ولا حتى صورة لمنظر جميل من تلك التى اعتادت بيوتنا أن تزين بها الجدران أو تخفى تحتها الجدران، لقد كانت صورة الزعيم التركى مصطفى كمال أتاتورك"!

الكلمات السابقة للرئيس الراحل أنور السادات، من فصل يحمل نفس عنوان المقال فى كتاب أوراق السادات للكاتب الكبير أنيس منصور.. إذن السادات كان منبهرا، بالزعيم التركى مصطفى كمال أتاتورك رغم كل ما قام به من إجراءات يعتبرها بعض الأتراك والعرب دليلا على معاداته للإسلام والمسلمين، لدرجة أن هناك من يراه مرتدا وخارجا على الملة.. تذكرت إعجاب السادات وتأثره بأتاتورك، عندما سُئِلت عن سر الاهتمام بالنموذج التركى فى الفترة الأخيرة.. فتركيا أكثر دول الشرق الأوسط تشابها بالحالة المصرية.. الفارق بيننا وبينهم، أنهم يعيشون حاليا تجربة ديمقراطية ناجحة انتشلتهم بسرعة مذهلة من براثن الفساد والفقر، بينما حالنا لا يخفى على أحد.

كنت أنوى مواصلة النقاش حول تفاصيل التحول التركى، لولا أن خبراً مثيراً استوقفنى مؤخرا..هذا الخبر يرتبط أيضا بالرئيس السادات، حيث أعلنت السلطات الإسرائيلية رفع اسم رئيس وزرائهم الأسبق مناحم بيجين، من أحد ميادين مدينة حيفا ووضع اسم الرئيس السادات بدلا منه.

أمران لفتا نظرى فى الخبر، الأول أن بيجين هو أحد صقور الدولة العبرية، وواحد من أهم القادة الصهاينة الذين أفنوا حياتهم فى قتل وترويع وطرد وإخلاء العرب من فلسطين، ثم توج حياته باتفاقية أخرجت أكبر وأقوى دولة عربية من معادلة القوة بشروط تحقق أهداف إسرائيل العليا على حساب الحقوق العربية.. بديهى أن بيجين أكثر عطاء وإخلاصا وولاء لإسرائيل من السادات، فما هو الدافع لهذه الخطوة فى هذا التوقيت بالذات؟

الحفاوة الإسرائيلية المفاجأة بالرئيس السادات مست سمعته وخصمت كثيرا من رصيده الوطنى والسياسى، بل ربما شوهت تاريخه الحافل والمثير.

الأمر الثانى أن توقيت إعلان الخبر، تزامن مع ارتفاع حالة الغضب فى الشارعين المصرى والعربى ضد ما يسمى بالجدار "الفولاذى" الذى يعزل مصر عن المشرق العربى، وهو نفس الهدف الذى سعت إليه إسرائيل وحققت قسما كبيرا منه عبر معاهدة كامب ديفيد!!.

للإنصاف فإن الرئيس السادات صاحب شخصية مصرية سيقف التاريخ طويلا أمامها حائرا.. فهو بلا شك زعيم يتمتع بكاريزما وقيادة، يصعب التشكيك فى وطنيتها وإخلاصها. كما أنه بطل لا يشق له غبار خاصة فيما يتعلق بقرار حرب أكتوبر 1973.. تلك المعركة التى مهما أحاط بها من لغط، تظل أهم حدث غسل عار الهزيمة، وجعل المصريين والعرب يسيرون فى كل الدنيا مرفوعى الرؤس.. إنجاز أكتوبر عمل بطولى وتاريخى عظيم بل هو أهم وآخر إنجاز عربى شهده القرن العشرون.. لكن النتائج التى ترتبت عليه، جاءت على عكس توقعات كل الأطراف التى شاركت فيه.. فغنائم الطرف المنهزم كانت أضعاف مغانم الطرف الذى ضحى وقاتل وانتصر.. الأهم أن التحولات التى طرأت على طريقة تفكير الرئيس السادات فى أعقاب هذا النصر، وما لبسه من غرور و"فرعنة"، دفعت به إلى نهاية مأساوية فى حادث المنصة الأليم.

فى مصر حاليا فريقان واحد يضم دراويش السادات..هذا الفريق يكاد يرفعه إلى مصاف الأنبياء، والفريق الآخر يخسف به الأرض.. الفريقان غير منصفين تحرك كل منهما الأهواء والمصالح.. لكن من يقرأ كتاب الراحل الكبير أحمد بهاء الدين "محاوراتى مع السادات" يتبين أن رئيس مصر كان يحمل أفكارا براقة لكنها غير واقعية وربما تتعارض مع دور مصر فى حركة الحضارة والتاريخ.

على كل حال شخصية الرئيس السادات شديدة التعقيد والغموض تحمل داخلها الكثير من التناقض، فهو ديكتاتور ديمقراطى، طيب شرير، عبقرى بليد، مؤمن علمانى، متواضع مغرور، أنيق بسيط، وفقير ثرى، وفلاح متحرر.. كان يحلم ببناء مجتمع ديمقراطى.. لكنه تعثر فى الخطوات الأولى، وانقلب على الديمقراطية، وسجل باسمه المصطلح الكوميدى الشهير"الديمقراطية لها أنياب"!!.

فى هذه الأيام يحتفل أقارب ومحبو السادات بذكرى ميلاده، 25 ديسمبر 1918.. وبهذه المناسبة، يتجدد الانقسام ويظل الجدل قائما بين المصريين حول تقييم الدور الذى لعبه الرئيس السادات خلال فترة حكمه "القصيرة" لمصر..!!

مرة أخرى أعود إلى تركيا.. فإذا كان السادات مفتونا بشخصية، أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة، وأطلق عليه فى أوراقه، لقب الذئب الرمادى ولم يكن يعلم حينها أن الكثيرين يرونه هو الذئب الحقيقى، خاصة فى ضوء "اختياراته" التى وضعتنا فى المأزق التاريخى الذى تعيشه مصر حاليا؟!!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة