د. بليغ حمدى

ولتسألن يومئذ عن النعيم

الجمعة، 04 ديسمبر 2009 06:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قدر لشعب مصر أن يغيب وعيه فى المناسبات الدينية العظيمة، فقد مرت علينا بسرعة العشر الأوائل من ذى الحجة، ولها ما لها من خير وفضل وبركة، لا يتسع المقال لذكرها، مرت ونحن فى غفلة بسبب انشغالنا المحموم بأحداث مباراة مصر والجزائر، ومرت ونحن متابعون بشغف للبرامج الفضائية الفراغية التى تضاعفت أرباحها المادية والجماهيرية بفضل هوس الإعلانات عن سلع السمن والمحمول وكريم الشعر، وفى الوقت الذى تضاعفت أرباحها نقص أجرنا وزادنا ورصيدنا من الطاعات.

ولأن الحج ـ حقاً ـ لمن استطاع إليه سبيلاً، أى أن شرط الفريضة العظيمة هو الاستطاعة، فلا طاقة لنا بها، لأننا ادخرنا طاقاتنا المهدرة فى الأصل فى اللهاث وراء ملاحقة أحداث أم درمان، وربما ندخرها لرد فعلنا تجاه ما ستفعله الإدارة المصرية إزاء نوفمبر الحزين.

فلو فطن الناس إلى ما فى هذه الفريضة الغالية من خير وسعادة، وتنبهوا إلى ما تشتمل عليه تعاليمها من رشاد وحكمة، وآثروا إخلاصهم لأنفسهم على تعصبهم لمباراة فى كرة القدم لبادروا جميعاً إلى الطاعات فى تلك الأيام العظيمة.

ولست مع بعض السلفيين أن كل أيامنا هى أيام عيد، بل اختص الله بعض أيامه لا لنكون قريبين منه فحسب، بل لنستحيل أكثر قرباً والتصاقاً بالمولى عز وجل. ولأننا ـ والحمد لله ـ مصابون منذ فترة ليست بالقليلة بمرض فقدان الذاكرة التدريجى المستدام، لم نلتفت إلى ما فى فريضة الحج من فوائد، كان من الأحرى علينا تطبيقها فى معالجة أمر كأحداث الجزائر. نعم إن الرائى لتعاليم الإسلام يمكنه بوعى وفهم أن يعالج مشكلاته الواقعية المعاصرة، بدءاً من استيقاظه اليومى من الغفلة، انتهاءً بدخوله القبر.

فعلى سبيل المثال، الحج فى الإسلام يعنى القصد والجهة المحددة وإخلاصها، وإذا نظرنا ماذا فعلنا بعد أحداث السودان الدموية، لا جهة، ولا قصد، ولا خطة منظمة لمواجهة الأحداث، ولا منهج. فهذا يندد، وهذا يستنكر، وذاك يهاجم، ورابع يشتم ويسب، وخامس يجمع معلومات بمنطق نمل ونحل دون فائدة، وسادس يذكرنا بأمجاد السلف لأن الخلف لا إبداع لديه، وصحافة همها الربح السريع، وفضائيات قضيتها الأساسية مساحة الإعلانات فى برامجها التى أصبحت تستضيف نجوماً يتحدثون بلغة أشبه بلغة حديثى مع خالتى أو عمتى، مقاطعة، وأصوات عالية، وأغانى لا علاقة لها بالموضوع. وهذا كله لأننا لم نستفد من سمة إخلاص القصد والجهة فى معالجة هذا الأمر، بل فى جميع أمور حياتنا.

وإذا نظرنا بصورة خاطفة لأبرز معانى الحج، لوجدنا عاطفة التراحم أبلغها وأعظمها، فأنت ترى التراحم فى الطواف والسعى والوقوف بعرفة، والإفاضة ورمى الجمرات. فماذا لو طبقنا هذه العاطفة ونحن نواجه أزمة السودان. لكن البعض اندفع لتوجيه التهم لزملائه بالحقل الواحد، فهذا خائن، وهذا عميل، وذاك يسكب الزيت على النار فيزداد الأمر اشتعالاً.

هذا بالنسبة للداخل، أما بالنسبة للخارج، فالأمر سيصبح كارثة محققة، وعلى السادة المسئولين الذين ينتظر الشعب المصرى ردهم على إهانة كرامة المصريين. وأقولها خالصة لوجه الله، ينبغى أن تنتبه الإدارة المصرية نحو أبنائها العاملين بالخارج، هذا المهندس الذى يبنى ناطحات السحاب بقطر، وهذا الإعلامى الذى يقدم برنامجه ببيروت، وهذا المعلم الذى اقترض من أجل العمل بالسعودية معلماً، وهذا النجار الذى باع نصيبه فى منزل والده لكى يعمل فى غير مهنته بالأردن، وهذه الطبيبة التى سافرت مع والده الطاعن فى السن للكويت، لأن قطار الزواج قد تخطاها.

عليهم أن يلتفتوا إلى أمر هؤلاء الأكاديميين الذين فروا وهربوا من الجامعات المصرية وأصفارها المتميزة، وانهيار أنظمتها التعليمية ليجدوا ملاذاً بجامعات الإمارات وعمان. فهؤلاء سيفكرون الآن فى اقتناص أول فرصة للعودة، بعدما كانوا يستعدون لبذل أية خسائر بالداخل من أجل السفر، على المسئولين المحترمين أن يقدروا حجم ما هم فيه الآن. لا أقول إنهم سيتعرضون للإهانة والمذلة بهذه الدول الشقيقة، بالرغم من أننى وكثيرون سئمنا هذه الكلمة، بل أخشى أن تصيبهم نظرات العطف والشفقة والمواساة.

لقد فاتتنا الفرصة الذهبية كمعظم أيام حياتنا، فلا نحن استمتعنا ببركة الأيام العشرة من ذى الحجة، ولا نحن استفدنا بفوائد ومناقب فريضة الحج فى معالجة أزماتنا وهمومنا الداخلية والخارجية. يعنى بعبارة أدق سنسأل يوماً ما عن هذا النعيم الذى كان بين أيدينا ولم نستفد به؛ الفريضة والتفكير.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة