حمدى الحسينى

الصَّـحَّافيون.. الجدد!!

السبت، 05 ديسمبر 2009 07:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
َمن منا يستطيع أن ينسى وزير الإعلام العراقى ذائع الصيت محمد سعيد الصّحَاف؟ صاحب الشخصية الأبرز أثناء الغزو الأمريكى للعراق، وصاحب المصطلحات الإعلامية الشهيرة التى كان يصف بها قوات الاحتلال والتى كان أبرزها مصطلح "العلوج" الذى احتار العالم العربى فى تفسيره، كما احتار الإعلام الغربى فى ترجمته إلى اللغات الأخرى، فاضطروا إلى نقله كما هو إلى لغاتهم.

رغم أن الصّحَاف بدأ حياته معلما للغة الإنجليزية قبل الانضمام إلى حزب البعث العراقى 1962 إلا أنه كان مثل أغلب العراقيين فى التمكن من اللغة العربية بطريقة لافتة، كما كان يتمتع بثقة كبيرة فى النفس ومؤمن بقوة العراق وقدرته على دحر أى غازٍ أجنبى.

لا أعرف لماذا قفزت صورة الصّحَاف إلى مخيلتى فجأة وسيطرت شخصيته المثيرة على تفكيرى، بمناسبة المراجعة الحالية لموقف الإعلام المصرى من الأزمة الأخيرة مع الجزائر.. تلك الأزمة التى أفرزت عددا من الرياضيين المتقاعدين المنتشرين فى الفضائيات الحكومية والخاصة، الذين تنافسوا فى العمل على عزل و نزع مصر من محيطها العربى.. بالطبع فارق كبير بين صحَّاف العراق والصّحَافيون المصريون فى كل شىء.. فالأول يتمتع بموهبة فذة وثقافة أصيلة، بالإضافة إلى الخبرة والبراعة فى اقتناص ونحت مصطلحات نادرة من التراث العربى والإسلامى.. مفردات كانت قادرة على إقناعنا بأن العراق فى طريقه إلى النصر، حتى أنه فى آخر مؤتمر صحفى له قبل دقائق من إعلان احتلال العراق ظل يردد عبارات أن الأوغاد ينتحرون بالمئات وسيذبحهم العراقيون كالخراف على بوابات بغداد، بعدها بقليل تم الإعلان رسميا عن سقوط عاصمة الخلافة العباسية فى أيدى الاحتلال الأمريكى الجبان، وتجرع العرب فى كل مكان العار والخذلان.. أما الصَّحَّافيون المصريون الذين خدعونا طوال فترة ما قبل وما بعد هزيمة الفريق القومى أمام منتخب الجزائر فى السودان.. هؤلاء تركوا مجال تخصصهم فى التحليل الرياضى، وتحولوا إلى مؤرخين ومحللين سياسيين.. بعضهم يشرح لنا نظرياته فى التفريق بين البربر والعرب، والبعض الآخر يشرح الفرق بين بلد المليون شهيد والمليون بلطجى، فيما ذهب أحدهم لدعوة الجيش المصرى إلى التحرك لتأديب المشجعين الجزائريين الذين روعوا الجمهور المصرى فى الخرطوم.

إن ما كان يقوم به وزير الإعلام العراقى خلال عدوان غاشم من قوى خارجية على بلاده كان أمرا مقبولا، سواء كان الصَّحَّاف يعلم بحقائق ما كان يجرى على أرض الواقع واقتراب المحتل من الموقع الذى كان يقف فيه وسط المراسلين الأجانب أو كان لا يعلم ويمارس دوره كوزير للإعلام، عليه أن يرفع الروح المعنوية لجنوده ويحشد التأييد العربى والعالمى لمساندة بلاده التى تتعرض لخطر الاحتلال الأجنبى.. فى كل الأحوال كان هذا دوره وأداه ببراعة فائقة.. أما هؤلاء المعلقون الذين تنافسوا فى سب الشعب الجزائرى والتشكيك فى عروبته والتندر على تنوعه الثقافى والتقليل من شأن تاريخه النضالى للتخلص من الاستعمار بل والسخرية من شهدائهم.

لا أستطيع التشكيك فى وطنية هؤلاء الصَّحَّافيين، فهم بالفعل كانوا تحت تأثير مشاعر الإحباط عقب هزيمة المنتخب الوطنى واعتداءات وترويع مرفوض من جمهور جزائرى لم يحترم العلاقة الأخوية التى تربط الشعبين، لكن هذا لا يمنعنا من أن نصفهم بالصَّحَّافيون الذين خدعونا وتسببوا فى وضع عقدة نفسية ستبقى شاخصة فى ذاكرة المصريين والجزائريين على حد سواء وتعطل التعاون والتفاهم بين الشعبين الشقيقين لفترات طويلة.

بعد احتلال العراق مباشرة نقلت قوات الاحتلال الأمريكى محمد سعيد الصّحَاف وأفراد أسرته على متن طائرة خاصة إلى الإمارات العربية التى يعيش فى إحدى قصورها حاليا بما أوحى لنا بأنه كان عميلا للاحتلال وأن كل ما كان يقوم به مجرد دور تمثيلى فى مسرحية سقوط بغداد.. لا أحد يعلم إلى الآن إن كان الصَّحَّاف وطنيا أم خائنا وسوف يظل مصيره معلقا فى ذمة التاريخ.. ولكن ما هو مصير الصّحافيون الجدد الذين تورطوا فى تدمير جسور الود والإخوة التى أقامها الآباء مع الأشقاء فى الجزائر.. فقد هدموا فى لحظات انفعال وهمى وطيش أعمى الصروح التى شيدها عبد الناصر، والشيخ الغزالى والإمام الشعراوى، وغيرهم من آلاف المصريين المخلصين الذين آمنوا بأهمية وعروبة الجزائر كجزء حيوى من الأمة العربية .. فما زرعه هؤلاء الصّحافيون دون وعى من شوك الحماقة والاندفاع، ستحصده الأجيال القادمة مُرا وعلقما من ثمار الفرقة والانقسام فى وقت نحن فيه فى أمس الحاجة للتضامن والوحدة وإذا كان التاريخ سيسأل صَّحَّاف العراق، فمن بوسعه أن يسأل أو يحاكم صَّحَّافيى مصر الجدد على ما اقترفوه فى حق عروبتهم؟!









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة