طرحت سؤالى، فى اليوميين السابقين: "هل يكره العرب مصر؟.. وأستكمل.
تحدثت فى اليومين السابقين عن شهادة إماراتية، ومشاهدة سورية، عن حب مصر، ويحضرنى فى ذلك نثريات أخرى من هنا وهناك، فمن العراق نذكر وقت إذاعة مسلسل "أم كلثوم" عام 2000، والذى خطف قلوب المشاهدين فى كافة أرجاء الوطن العربى، نذكر كم توقفت وكالات الأنباء العالمية عند مشاهدة العراقيين للمسلسل وهم تحت الحصار، ونقلت الوكالات كم كان الشعب العراقى متأثرا به إلى حد نقل بكاء سيدة عراقية وهى تشاهد المسلسل، وأن العراقيين وقتها تفننوا فى مشاهدته عبر قنوات فضائية عربية تقوم بإذاعته.
شاهد العراقيون المسلسل بوصف أم كلثوم ليس ملكا للمصريين وفقط، وإنما هى لكل العرب التى تغنت لهم، وغنت على مسارح بلادهم وبين أبناء هذه البلاد، كانت الحفلات التى أقيمت لأبطال المسلسل على طول البلاد العربية وعرضها، دليلاً آخر على مدى تغلغل هذه السيدة العظيمة فى قلوب العرب، لأنها لم تغنِ لفئة أو قبيلة، أو عرق وإنما غنت لكل العرب، وحبها هو عنوان إضافى لحب مصر، وقد يتهمنى البعض أننى هنا أتحدث عن تاريخ مضى ليس له علاقة بالحاضر، لكن الرد على ذلك بسيط، ويتمثل فى أن مسلسل أم كلثوم كان فى عام 2000، أى تمت إذاعته بعد تحولات سياسية هائلة فى المنطقة، وصيحات مرت تقول إن مصر للمصريين، وإن العرب يكرهون مصر، وغيرها من دعاوى الانعزالية، أضف إلى ذلك أن المسلسل كان يتناول سيرة سيدة توفيت عام 1974، فيما يعنى أن وقت إذاعته كان مر على وفاتها 26 عاما، أى كان هناك شباب فى هذا العمر لم يشاهدوها، وكان المسلسل بمثابة إعادة اكتشاف لها عند هؤلاء، فلماذا كان كل هذا الحب العربى لهذه السيدة المصرية؟
غنت أم كلثوم بسمو وجدانى رائع يذهب إلى الوجدان العربى دون وسيط، وتلك أعظم قيمة فى الفن، ربما يكون حبها عنواناً لحب المرحلة الناصرية عند العرب، لكن ورغم ذلك يبقى حبها العربى رمزا لحب مصر، وأذكر فى هذا السياق ومنذ سنوات وكان بصحبتى الملحن والمطرب الجميل أحمد، وكنا نسير مع المثقف اللبنانى الكبير معن بشور، وجاء الحديث عن أيهما أفضل عند اللبنانين أم كلثوم أم فيروز، عاتبنا الرجل على هذا الجدل قائلا: "نحب أم كلثوم كما نحب فيروز، وكل له ذوقه الخاص هناك من اللبنانيين من يحب أم كلثوم أكثر، وهناك من المصريين من يحب فيروز أكثر"، وأضاف: "ألا تلاحظون أننا نتحدث عن قامتين عربيتين، يفتخر بهما كل عربى، وبالمناسبة، ونحن فى لبنان نشعر أن لنا فى أم كلثوم بنفس القدر الذى للمصريين فيها".
يبقى فى كل ذلك أن الفن المصرى لم يكن يوماً انعزالياً عن محيطه العربى، ولو يعرف بعض الفنانين الذين نصبوا السيرك ضد العروبة أثناء الهوجة العصبية بين مصر والجزائر عقب مباراة الخرطوم، كم كانت أفلامهم رسولاً طيباً لمصر عند العرب، ولو يعرفون أن اللهجة المصرية فى أفلامهم أصبحت لهجة الكثيرين فى بعض الأقطار العربية، ولو يعرفون أن المشاهد العربى أصبح يعرف قرى ونجوع مصر من هذه الأفلام، لو يعرفون كل ذلك، لقدموا اعتذاراً عن كل إساءة قالوها فى حق العرب، لأن أفلامهم كانت عنوناً رائعاً للتواصل مع العرب.