غريب أمر المسئولين الجزائريين فى علاقتهم مع مصر، لا تكاد تسمع نبرة عاقلة تنطلق من هذا المسئول بالعاصمة الجزائرية إلا ويعقبها نبرة انفعالية سمجة تنطلق من مسئول آخر من الجزائر أيضا، ثم يعقب النبرة الانفعالية السمجة، صوت لمسئول ثالث يبدو أقرب إلى الرشد والمسئولية التى يفرضها منصبه، وأهمية العلاقة السياسية والاقتصادية مع القاهرة، حتى لو أنكرها بعضهم.
أكتب ذلك بعد أن حيرتنى المواقف الرسمية الجزائرية تجاه مصر خلال الأيام الأربعة الماضية فقط، حتى لم أعد أعرف بالضبط ماذا يريد الإخوة فى الجزائر.. تهدئة أم تصعيد؟ ولمصلحة من هذا الانقسام الرسمى فى التوجه رغم أن الموقف المصرى واضح وضوح الشمس، ويمضى فى اتجاه رأب الصدع الذى خلفته موقعة أم درمان الكروية وتسبب فيه بالدرجة الأولى التعصب الجزائرى والإعلام غير المسئول فى كلا البلدين.
ولكم أن تتابعوا معى هذا التضارب فى المواقف الرسمية الجزائرية، ولكل من يتوصل إلى حل اللغز جائزة قيمة بعد الأجر والثواب من الله القدير..
يوم الأربعاء 2 ديسمبر، أكد وزير الخارجية الجزائرى مراد مدلسى أنه يتمنى كل الخير لمصر وأن بلاده تكن كل الحب والتقدير لمصر وشعبها وحكومتها وترغب فى طى الصفحة، مؤكدا أن بلاده ملتزمة بالتهدئة وانتهاء الحملات الصحفية، وقال إن حكومة بلاده لا تتعامل على الإطلاق مع ما يقال هنا أو هناك، وعلى ألسنة مختلفة لأن الجزائر تكن كل تقدير واحترام لمصر وشعبها وحكومتها. وحول الوساطة التى تدخلت بها كل من ليبيا والجامعة العربية، قال "نحن نحترم لهما مبادراتهما، لكن العلاقة بين مصر والجزائر قوية ولسنا فى حاجة لوساطة مع الإخوة فى مصر، ونقدر كل من يقرب بين الشعبين.". مشكور والله وزير الخارجية الجزائرى الذى قال ما تفرضه عليه مسئولية منصبه وفهمه للعلاقة بين البلدين العربيين.
يوم الخميس 3 ديسمبر، أكد رئيس الوزراء الجزائرى أحمد أويحيى، أن تجاهل الجزائر لبعض التصريحات التى وصفها بـ «الغوغائية» كان أقوى من الرد عليها، فى إشارة إلى الحملة الإعلامية المصرية التى أعقبت مباراة مصر والجزائر فى السودان .وقال أو يحيى ـ خلال مؤتمر صحفى عقده، عقب ختام مؤتمر عمالى محلى "إن عظمة وقيمة الشعب الجزائرى وحكمة سلطته هى التى جعلتنا لا نرد على التصريحات المصرية، لكن سكوتنا ليس منبثقاً من أى إحراج أو أى حساب كان"، وأضاف فى هجوم عنيف ضد مصر "لا الشتم ولا الغوغاء يقلصان من قيمة الشعب الجزائرى وعظمته وقيمة الدولة الجزائرية" .. ما هذا يا رئيس وزراء الجزائر الشقيقة قياسا لما صرح به وزير خارجيتك؟ وأيكما نصدق؟ وعلى أى من تصريحيكما نبنى مواقفنا؟
يوم السبت، 5 ديسمبر، أكد وزير البترول الجزائرى شكيب خليل، أن الأحداث الأخيرة والتى أعقبت مباراة بين المنتخبين المصرى والجزائرى لن تكون سببا فى قطع العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر. وقال الوزير على هامش اجتماع الدول العربية المصدرة للبترول أوابك فى القاهرة، إن العلاقات بالفعل بدأت تتحسن وليس هناك دليل على ذلك أكثر من تواجدى هنا فى القاهرة أمثل الجزائر فى الاجتماع، مشيرا إلى أن البلدين سيطلقان شركة نفطية مشتركة خلال الفترة القادمة.
هذا الكلام يأتى مباشرة بعد تصريحات أو يحيى وبعد إجراءات متعسفة بدأت الحكومة الجزائرية فى اتخاذها ضد الشركات والمصالح المصرية بالجزائر، فأى المواقف الرسمية الجزائرية نصدق؟ ومن يستطيع حل هذا اللغز؟