السياسيون فى السياسة، والمحللون فى الفضائيات، والشباب فى الفيس بوك، والعجائز فى الأحزاب .. ينتظرون المخلص الذى سيغير الدستور ويرسى سيادة القانون، وينهى احتكار الحزب الحاكم، ويقيم العدل ، وينفذ الإصلاح السياسى، ويحقق الاشتراكية للاشتراكيين والرأسمالية للرأسماليين والوسطية للوسطيين والنووية للنوويين.. وفى المقابل فإن المحتكرين فى الحزب الوطنى والجالسين فى النظام، و"المخللين" فى المؤسسات التشريعية والتنفيذية، و الصحف الحكومية، يشجعون الاستقرار. ويتمنون زوال كل من يفكر فى تقديم نفسه كمنافس، أو موازى، أو حتى مصاحب. اما الشعب فينتظر على محطات الاتوبيس وفى إشارات المرور والعشوائيات، والجرى وراء الرزق.
كاننا صحونا فجأة من نومنا على حادث جلل، ووقائع عظيمة، وتفاصيل جديدة، كل هؤلاء الذين انخرطوا فى التنظير للدكتور محمد البرادعى، نسينا أننا فى غرفة العمليات، وبدأنا نخطط لما بعد فترة النقاهة، والذين انخرطوا فى الترشيح، نسوا تقريبا ان يحصلوا على بطاقات انتخاب. ولم يتصور أى منهم أنه يمكن أن يصلح مرشحا لرئاسة الجمهورية، والذين دافعوا عن شروط البرادعى، لم يفكروا فى الدفاع عن شروطهم، وكأن البرادعى يطرح لهم شروطا من المريخ، أو يقول لهم كلاما لم يعرفوه.
كم مرة انخرطنا فى فيلم الإصلاح، وكم مرة خرجنا منه ونحن نصرخ" سينما اونطة هاتوا فلوسنا"، فى عام 2004 وما بعدها انخرط البلد كله أو نخبته فى حديث عن التغيير، والحراك السياسى، ودعوات ومشروعات، وتم اختراع المظاهرات ، وبدت مصر كلها فى حالة حراك وتشويق وعطش، وكأنها تتغير، وقدم المحللون تصورات عن التغيير القادم "بعد شوية"، لكن الأمر كله انتهى إلى خلطة مشوهة تعديل دستورى غير دستورى، يجعل اختيار الرئيس بالاستفتاء بين أكثر من مرشح، ثم جرى تعديل التعديل، بنفس طريقة التعديل، ليصبح الاستفتاء أكثر استفتائية. مرت الشهور والأعوام، ووجد المصريون أنفسهم فى حالة تغيير فى المكان. انتهى إلى حالة استقرار، غير محدد المدة.
ثم بدأت مرحلة الترشيحات، كل يوم مرشح، وكل ساعة رئيس، رشحوا الدكتور أحمد زويل، لأنه عالم وحاصل على نوبل، لكن الرجل تجاهل الأمر، فنسوه، واتجهوا إلى السيد عمرو موسى، وزير الخارجية الذى مكان يهاجم إسرائيل، وأصبح أمينا للجامعة العربية، وتوقف عن مهاجمة إسرائيل أو غيرها. الرجل أعلن أنه تلقى الرسالة، ولم يقل ماذا سيفعل بعد تلقى الرسالة. وتم ترشيح البرادعى بوصفه آخر شخص مشهور يعرفوه. يستعد للخروج على المعاش. صمت البرادعى، ثم تكلم وأعلن شروطا للترشيح، بلا إضافات.
نام الجميع، حتى استيقظوا على لجنة الاستاذ هيكل، التى كانت إعادة لاقتراحات طرحت "أيام الحراك"، لكنهم تناقشوا واندمجوا فى تحليلات، انتهت كالعادة، كما بدأت بلا سبب.
عاد الدكتور البرادعى ليجدد إعلان شروطه، وإذا بالمحللين يحللون والمطالبين يطالبون، والجالسين يجلسون. والجدل كله يدور افتراضيا، حول افتراضات اكثر افتراضية، مع ان الدكتور البرادعى يعلن كل هذا وهو لا يزال يقيم فى مهجره بالخارج، انتقل الجدل حول جنيسيته ، وشكك رجال الحزب الحاكم فى الرجل ومؤهلاته، دون ان يتوقفوا عند مديح قدموه للرجل وفخر بكونه مصريا. ولم يتوقف مؤيدو الرجل ومعارضوه عما يمكن أن يحدث أو ما يجب أن يكون، فقط الناس تشعر ان المسافة طالت بين أحلامهم فى التغيير ، حتى لو كان تغيير وجوه، وبين خبير دولى لا يعرفون عنه أكثر مما يظهر.
لقد اعترف الذين رشحوا الرجل ضمنا، بأن أيا منهم لا يصلح، ربما لأنهم يتصورون أن البرادعى لكونه موظفا دوليا سابقا، سوف يمكنه من الحصول على دعم خارجى، يفضلون المستورد على المحلى، والدولى على الإقليمى، والأوروبى على الأفريقى، يتصورون أن جائزة نوبل تكفى ليصير المرء رئيسا، وبيانات الدعوة للتغيير تصبح صك اعتراف بالقدرات الخارقة للإنسان الدولى القادر على أن يعبر البحر ولا يتبلش. مع أن هذه الشروط تكرر طرحها، وتكرر تجاهلها من قبل.
لقد تعلق الهاجع والناجع والنائم على صماخ اذنه، بقشة التغيير التى ظهرت فى الانحاء، بعيدا عن الكائن المعروف بالشعب، وعين كثيرون أنفسهم نوابا عن الجمهور، وقدموا تصوراتهم للتغيير الشامل والتعديل السياسى والإصلاح. بينما هم جالسون فى فضاء افتراضى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة