والله كانوا محتاجين صورة.. لم يكن ينقص السادة رؤساء تحرير صحف الحكومة سوى مصور رئاسة الجمهورية، يقوم بالواجب معهم ويلتقط لهم عددا لا بأس به من الصور وهم واقفون صفا واحدا بجوار الأستاذ مكرم محمد أثناء سير العملية الانتخابية التى تمت أمس على مقعد نقيب الصحفيين.. صف يغرى بالتأمل ويغرى أيضا بإلقاء النكت ولم يكن ينقصه سوى ما قلته.. مصور رئاسة الجمهورية يلتقط بكاميرته عدة صور لصف سائقى الصحف الحكومية ويذهب بها إلى السيد الرئيس حسنى مبارك وقادة الحزب الوطنى، لكى يفرحوا بأن رجالهم على قلب رجل واحد.. القلم للقلم كالبنيان المرصوص فى وجه أى انتقاد للنظام، وفى وجه أى رغبة تأتى على عكس رغبة النظام الحاكم وأجهزة أمنه.
هكذا كان المشهد بالأمس فى انتخابات نقابة الصحفيين التى نجح ضياء رشوان أن يمد فى عمرها حتى الأحد القادم، موعد جولة الإعادة أمام الأستاذ مكرم محمد أحمد، محققا مفاجأة لم يكن يتوقعها الأستاذ مكرم ومن معه من رجال صحف الحكومة الذين هرعوا مع آخر اليوم الانتخابى لتجييش قوتهم فى محاولة فاشلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن رغبة التغيير سبقتهم إلى حيث صناديق الانتخابات وأجلت الحسم إلى جولة أخرى.
أعود إلى المشهد التاريخى الذى اصطف فيه رؤساء تحرير الأهرام والجمهورية وروز اليوسف والأخبار فى صف واحد وكأن ناظر المدرسة قد أجبرهم على ذلك، وفى هذا الصف من الدلالات ما قد يتجاوز فكرة أن صحف مصر الكبرى تتحرك بأمر جماعى لمساندة مرشح ضد الآخر، والدلالة الأهم تكمن فى النجاح الذى حققه ضياء رشوان، لأن نجاح رشوان فى أن يجبر الأستاذ مكرم على خوض جولة ثانية حتى ولو خسرها، كشف للجميع الحجم الحقيقى لرؤساء تحرير صحف الحكومة، وأوضح لقيادات الوطنى وللناس فى الشوارع أن رؤساء تحرير أكبر 4 مؤسسات صحفية فى مصر أضعف من أن ينصروا أحدا أو يغيروا المزاج العام للصحفيين حتى داخل مؤسساتهم.
عموما الأحد القادم ربما يشهد صفا مماثلا، فجهزوا كاميراتكم لتلك اللقطة التاريخية، وجهزوا أنفسكم لأن تستمعوا إلى ما لذ وطاب من الاتهامات المتبادلة على مدار الأيام القادمة، فى معركة كان من الممكن أن يحسمها ضياء رشوان مبكرا لو كان تخلص من داء التردد وقرر مبكرا خوض الانتخابات، بدلا من انتظار تيار الاستقلال أو المعارضة أو سمه ماشئت الذى يظل يلف ويدور حول نفسه مع كل انتخابات لنقابة الصحفيين فى البحث عن مرشح، وفى الغالب لا يستقرون على أحد فتضيع الجولة من بين أيديهم، أو يستقرون على اسم ما فى اللحظات الأخيرة فيدخلون السباق الانتخابى بأنفاس مقطوعة وحركات عشوائية، فيصبح النجاح متوقفا على جدعنة ولاد البلد وقدرتهم على السهر واللف بدلا من أن يضربوا للفئات الأخرى نموذجا نخبويا فى كيفية الاستعداد لمعركة انتخابية، وكيفية التنظيم والتحرك طبقا لمنهج وجدول معين كما يطالبون الحكومة دائما أن تفعل.
بالمناسبة أيا كانت نتيجة انتخابات الأحد القادم، ستظل نقابة الصحفيين كما هى، قد تتحرك مشاكلها الحقيقية إلى الأمام قليلا نحو مناطق الحل إذا ربح ضياء رشوان، لأن من حوله أنشط وأكثر إخلاصا للمهنة، ولكن الوضع العام سيظل على حاله لأن المشكلة الحقيقية ليست فى نوع النقيب واسمه بقدر ماهى فى الطريقة التى يفكر بها الصحفيون تجاه نقابتهم.. هل يريدونها ساحة حرية، أو مجرد كافتيريا فى الدور الثامن، أم مجموعة من الخدمات تبدأ بالبدل وتنتهى بالشقة، أم نقابة حقيقية تدافع عن المهنة وتحميها وتملك حق مساءلة ومحاسبة كل أعضائها من أصغر محرر حتى أكبر رئيس تحرير، وهى طريقة تفكير يبدو أنها تلازم الشعب المصرى وهو يختار نائبه البرلمانى.. هل يريده نائبا بجد يقدم استجوابات ويصل بصوته إلى الحكومة ويشارك بجدية فى صياغة القوانين التى تشكل حياتنا، أم يريده نائبا "واصل" يحصل له على تأشيرات وظائف وينقل ابنه من المدرسة البعيدة إلى أختها القريبة.
وهى نفس الطريقة التى سيفكر بها الشعب لو أتاحوا له فرصة اختيار حقيقية لرئيس الجمهورية، سيظل يفكر ويفكر أيأتى بواحد من الجيش ولا واحد من عائلة الرئيس ولا واحد من الخارج.. حتى يمر موعد الانتخابات ويجد نفسه وجها لوجه أمام نفس الصورة التى يعلقونها دائما فى الميادين وفوق سبورة المدرسة؟؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة